للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: وتكون الجبال هشّة غير متلاحمة، كأنها الصوف المنفوش إذا طيرته الريح. رُوي عن الحسن: أنها تسير مع الرياح ثم تنهد ثم تصير كالعهن، ثم تنهد فتصير هباء منثورًا. {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) أي: ولا يسأل قريب مشفق قريبًا عن حاله، ولا يكلمه لابتلاء كل منهما بما يشغله، كما جاء في قوله: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}، وقوله: {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)}.

١١ - وقوله: {يُبَصَّرُونَهُمْ} مستأنف أو صفة لقوله: {حَمِيمًا}؛ أي: يبصر كل حميم حميمه لا يخفى منهم أحد عن أحد، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه، ولا يتساءلون، ولا يكلم بعضهم بعضًا لاشتغال كل منهم بنفسه. وهذه الجملة مستأنفة كما مرّ آنفًا، واقعة في جواب سؤال مقدر كأنّه قيل: لعله لا يبصره فكيف يسأل عن حاله؟ فقيل: {يُبَصَّرُونَهُمْ}. والضمير الأول (١) للحميم الأول، والثاني للثاني، وجمع الضميرين لعموم الحميم لكل حميمين لا لحميمين اثنين، لأنهما نكرتان في سياق النفي. قال في "تاج المصادر": التبصير: التعريف والإيضاج، ويعدى إلى المفعول الثاني بالباء، وقد تحذف الباء، وعلى هذا جاء {يُبَصَّرُونَهُمْ} انتهى. يعني: عدّى {يُبَصَّرُونَهُمْ} بالتضعيف إلى ثان وقام الأول مقام الفاعل. والمعنى: يبصر الأحماء فلا يخفون عليهم ولا يمنعهم من التساؤل إلا تشاغلهم بأحوال أنفهسم، فيبصر الرجل أباه وأخاه وأقرباءه وعشيرته، ولكن لا يسأله ولا يكلمه لاشتغاله بما هو فيه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يتعارفون ساعة ثم يتناكرون ويفر بعضهم من بعض بعد ذلك.

وقال ابن زيد (٢): يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا، وهم الرؤساء المتبوعون عبرةً وانتقامًا وحزنًا. وقيل: إن قوله: {يُبَصَّرُونَهُمْ}. يرجع إلى الملائكة؛ أي: يعرفون أحوال الناس، لا يخفون عليهم. وقرأ قتادة (٣): {يُبَصَّرُونَهُمْ} مخففًا مع كسر الصاد؛ أي: يبصر المؤمن الكافر في النار، قاله مجاهد.

{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ}؛ أي: يتمنى الكافر، وقيل: كلّ مذنب. {لَوْ} بمعنى التمنّي،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.