للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور: {الرُّشد} بضم الراء وسكون الشين، وعيسى بضمّهما، وعنه أيضًا فتحهما. {فَآمَنَّا بِهِ}؛ أي: بذلك القرآن، ومن ضرورة الإيمان به الإيمان بمن جاء به، أي: صدّقنا به بأنّه من عند الله تعالى. {وَلَنْ نُشْرِكَ} بعد اليوم البتة؛ أي: بعد علمنا بالحق {بِرَبِّنَا أَحَدًا} حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد؛ أي: لا نجعل أحدًا من المعبودات شريكًا له سبحانه اعتقادًا، ولا نعبد غيره. فإن تمام الإيمان إنما يكون بالبراءة من الشرك والكفر كما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. فلكونه قرآنًا معجزًا بديعًا وجب الإيمان به، ولكونه يهدي إلى الرشد وجب قطع الشرك من أصله. والدخول في دين الله كله فمجموع قوله: {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} مسبب عن مجموع قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، ولذا عطف {وَلَنْ نُشْرِكَ} بالواو مع أنّ الظاهر الفاء، وفي هذا توبيخ للكفّار من بني آدم حيث آمنت الجنّ بسماع القرآن مرّةً واحدةً، وانتفعوا بسماع آيات يسيرة منه، وأدركوا بعقولهم أنه كلام الله وآمنوا به، ولم ينتفع كفّار الإنس لا سيّما رؤوساؤهم وعظماؤهم بسماعه مرّات متعددة وتلاوته عليهم في أوقات مختلفة مع كون الرسول منهم يتلوه عليهم بلغاتهم لا جرم صرعهم الله أذل مصرع وقتلهم أقبح مقتل، ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون.

والمعنى (١): أي قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كما جاء في قولهم: {فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}: إنا سمعنا كتابًا بديعًا يهدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، فصدّقنا به، ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك بالله.

٢ - ٣ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} بفتح الهمزة (٢) وكذا ما بعده من الجمل المصدرة بـ {أنّ} في أحد عشر موضعًا معطوف على {أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، فيكون من جملة الكلام الموحى به على أنَّ المُوحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنّه قيل: قل أوحي إليّ كيت وكيت. وهذه العبارات فاندفع ما قيل من أنّك لو عطفت {وَأَنَّا ظَنَنَّا} و {إِنَّا سَمِعْنَا} {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ} {وَأَنَّا لَمَسْنَا} وشبه ذلك على أنّه استمع لم يجز، لأنّه ليس مما أوحي إليه، وإنّما هو أمر أخبروا به عن أنفسهم انتهى. قلت: والذي يظهر لي أنّ {أنّ} المفتوحة في مواضعها كلها مستعملة استعمال إنّ المكسورة


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.