للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{يَقُولُ}، عبر بـ {عَلَى} لأنّ ما قالوه عليه تعالى لا له {شَطَطًا}؛ أي: كذبًا وبهتانًا وظلمًا، والمراد به نسبة الصاحبة والولد إليه تعالى. وفي "المفردات": الشطط: الإفراط في البعد عن الحق، أي: قولًا ذا شطط؛ أي: بعد عن القصد ومجاوزة الحدّ.

والمعنى: أي وقالوا: إن جهالنا كانوا يقولون ويفترون على الله قولًا بعيدًا عن الحق والصواب بنسبة الولد والصاحبة إليه تعالى. وفي الآية إشارة إلى أن العالم غير العامل في حكم الجاهل، فإن إبليس كان من أهل العلم، فلما لم يعمل بمقتضى علمه جعل سفيهًا جاهلًا لا يجوز التقليد له. فالاتباع للجاهل، ومن في حكمه اتباع للشيطان، والشيطان يدعو إلى النار؛ لأنّه خلق منها.

٤ - ٥ {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ} مخفّفة من الثقيلة؛ أي: أنّ الشأن {أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا} اعتذار عن تقليدهم لسفيههم؛ أي: وقالوا: إنا كنا نظن أن الشأن والحديث لن يكذب على الله أحد أبدًالأولذلك اتبعنا قول سفيهنا وصدّقناه في أنَّ لله تعالى صاحبة وولدًا، فلما سمعنا القرآن، وتبين لنا الحق بسبه علمنا قد يكذبون عليه تعالى. و {كَذِبًا} مصدر مؤكد لـ {تَقُولَ}؛ لأنه نوع من القول، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: قولًا كذبًا. وقرأ الجمهور (١) {أَنْ لَنْ تَقُولَ} مضارع قال. وقرأ الحسن، والجحدري، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، ويعقوب، وابن مقسم {تقوّل} من التقول مضارع تقوَّل من باب تفعّل، أصله: تتقول حذفت منه إحدى التاءين، فيكون {كَذِبًا} على هذه القراءة الشاذّة مفعولًا به.

والمعنى: أي وقالوا: إنّا كنّا نظن (٢) أن لن يكذب أحد على الله تعالى، فينسب إليه الصاحبة والولد، ومن ثم اعتقدنا صحة قول السفيه، فلما سمعنا القرآن علمنا أنهم كانوا كاذبين، وهذا منهم إقرار بأنهم إنما وقعوا في تلك الجهالات بسبب التقليد، وأنهم إنما تخلصوا منها بالاستدلال والبحث.

٥ - ٦ {وَأَنَّهُ}؛ أي: وأوحي إلى أن الشأن والحال {كَانَ} في الجاهلية {رِجَالٌ} كائنون {مِنَ الْإِنْسِ} صفة لـ {رِجَالٌ} {يَعُوذُونَ} خبر {كَانَ}؛ أي: يلتجئون ويتحضنون {بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}؛ أي: يعوذون بهم من شرّ الجن. قال أبو حيان: وهذا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.