للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأخرج البخاري عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الملائكة تنزل في العنان - وهو بالفتح: السحاب - فتذكر الأمر الذي قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم".

يقول الفقير: وجه التوفيق بين الاستراق من السماء ومن السحاب أن الملائكة مرة ينزلون في العنان فيتحدثون هناك، وأخرى يتذاكرون في السماء، ولا مانع من عروج الشياطين إلى السماء في مدة قليلة للطافة أجسامهم، وحيث كانت نارية أو هوائية أو دخانية لا يتأثرون من النار أو الهواء حين المرور بكرتهما، ولو سلم .. فعروجهم من قبيل الاستدراج. ولله في كل شيء حكمة وأسرار.

{فَمَن} شرطية {يَسْتَمِعِ} في مقعد من المقاعد، ويطلب الاستماع {الْآنَ}؛ أي: في الزمان المستقبل بعد المبعث. وهو ظرف حالي استعير للاستقبال. {يَجِدْ لَهُ} جواب الشرط، والضمير لـ {مَنْ}؛ أي: يجد لنفسه {شِهَابًا رَصَدًا}؛ أي: شهابًا رصدًا له أو أرصد لأجله يصده عن الاستماع بالرجم. والرصد في الأصل: الاستعداد للترقّب أو يجد له ملائكة ذوي شهاب راصدين له؛ ليرجموه بما معهم من الشهب على أنه اسم مفرد في معنى الجمع كالحرس، فيكون المراد بالشهاب الملائكة بتقدير المضاف. ويجوز نصب {رَصَدًا} على المفعول له.

والمعنى (١): أي وقالوا إنّا كنّا نقعد قبل ذلك فيها مقاعد خالية من الحرس والشهب لنسترق السمع، فطردنا منها حتى لا نسترق شيئًا من القرآن، ونلقيه على ألسنة الكهان، فيلتبس الأمر ولا يدرى الصادق، فكان ذلك من لطف الله سبحانه بخلقه ورحمته بعباده وحفظه لكتابه العزيز، فمن يستمع ويرم أن يسترق السمع اليوم .. يجد له شهابًا مرصدًا لا يتخطاه ولا يتعدّاه، بل يهلكه ويمحقه. وإنا لنؤمن بما جاء في الكتاب الكريم من أنّ الجن كانوا يسترقون السمع، ومنعوا من ذلك بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لا نعرف كيف كانوا يسترقون السمع، ولا نعرف عنه الحرس الذين منعوهم ولا المراد بالشهب التي كانت رصدًا لهم. والجن أجسام نارية، فكيف تحترق من الشهب؟ والله أعلم بحقيقة الحال.


(١) المراغي.