للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢٣ - وقوله: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ} استثناء متصل (١) من قوله: {لَا أَمْلِكُ لَكُمْ}؛ أي: من مفعوله، فإن التبليغ إرشاد ونفع؛ أي: لا أملك لكم إرشادًا ولا هداية إلا تبليغًا كائنًا من الله سبحانه إليكم، فإنَّ الإرشاد والإضلال بيده تعالى، وما بينهما اعتراض مؤكّد لنفي الاستطاعة عن نفسه فلا يضرّ طول الفصل بينهما وفائدة الاستثناء المبالغة في توصيف نفسه بالتبليغ لدلالته على أنه لا يدع التبليغ الذي يستطيعه لتظاهرهم على عداوته. وقوله: {مِنَ اللَّهِ} صفة بلاغًا؛ أي: بلاغًا كائنًا منه تعالى، وليس متعلَّقًا بقوله: {بَلَاغًا}؛ لأنّ صلة التبليغ في المشهور إنما هي كلمة عن دون من، و {بَلَاغًا} واقع موقع التبليغ كما يقع السلام والكلام موقع التسليم والتكليم. أو استثناء منقطع من قوله: {مُلْتَحَدًا}؛ أي: لن أجد من دونه تعالى ملتحدًا وملجأً إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به، فهو يجيرني؛ لأن البلاغ ليس ملتحدًا من دون الله؛ لأنه من الله وبإعانته وتوفيقه. وقوله: {وَرِسَالَاتِهِ} معطوف على {بَلَاغًا} بتقدير مضاف، وهو البلاغ؛ أي: لا أملك لكم إلَّا تبليغًا كائنًا منه تعالى وتبليغ رسالاته التي أرسلني بها. يعني: إلا أن أبلغ عن الله فأقول: قال الله كذا ناسبًا للمقالة إليه تعالى، وإلا أن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان. وقال سعدي المفتي: لعل المراد من {بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ} هو ما يأخذه منه تعالى بلا واسطة، ومن رسالاته ما هو انتهى إليه بواسطة. والمراد بالرسالة هو ما أرسل به الرسول من الأمور والأحكام والأحوال، لا معنى المصدر. والظاهر أنّ المعنى: إلا التبليغ والرسالة من الله تعالى. وجمع الرسالة باعتبار تعدّد ما أرسل هو به.

والمعنى: أي قل إني لن يجيرني من الله أحد من خلقه إن أراد بي سوءًا، ولم ينصرني منه ناصر، ولا أجد من دونه ملجأً ولا معينًا، لكن إن بلغت رسالته وأطعته أجارني.

والخلاصة: أني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته.

ثم بين جزاء العاصين لله ورسوله، فقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ} في الأمر بالتوحيد؛ لأنّ السياق فيه؛ لأن الكلام في تبليغ الرسالة بأن لا يمتثل أمرهما


(١) روح البيان.