للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مع طالوت، واقتصروا على الغرفة على ما سيأتي، وهذا القليل ثبتوا على نياتهم في قتال أعدائهم، وقرأ أُبي (١): {تولوا إلا أن يكون قليل منهم} وهو استثناء منقطع؛ لأن الكون معنى من المعاني، والمستثنى {مِنْهُمْ} حيث {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}؛ أي: عالم من ظلم نفسه حين خالف ربه، ولم يف بما قبل من ربه، وهذا وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد مخالفة لأمره تعالى، فالمراد بالظالمين بقية السبعين ألفًا، وهم من عدا القليل المذكور.

٢٤٧ - {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}؛ أي: أخبرهم نبيهم بأن الله تعالى قد بعث لأجل سؤالكم وأمر عليكم طالوت؛ لتكونوا تحت إمرته في تدبير أمر الحرب، واختاره ليكون أميرًا عليكم، واسم طالوت بالعبرانية: ساول بن قيس، من سبط بنيامين بن يعقوب، وإنما سمي طالوت لطوله، وكان أطول من جميع الناس برأسه ومنكبيه، وكان طالوت رجلًا دباغًا يدبغ الأديم. قاله وهب {قَالُوا} لنبيهم معترضين عليه {أَنَّى يَكُونُ لَهُ}؛ أي: كيف يكون {الْمُلْكُ} والإمرة لطالوت {عَلَيْنَا} ولم يكن هو من بيت الملك حتى نتبعه لشرفه {وَنَحْنُ أَحَقُّ} وأولى {بِالْمُلْكِ} والإمرة {مِنْهُ}؛ أي: من طالوت {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ}؛ أي: لم يعط غنى من المال يستعين به على إقامة الملك.

والمعنى (٢): كيف يتملك علينا، والحال إنه لا يستحق التملك؛ لوجود من هو أحق بالملك منه، وأنه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به، وإنما قالوا ذلك؛ لأن النبوة كانت في سبط لآوى بن يعقوب عليه السلام، والملك في سبط يهوذا، وهو كان من سبط بنيامين، ولم يكن فيهم النبوة والملك، وكان رجلًا سقاء يستقي الماء على حمار له، أو دباغا فقيرًا، وروي أن نبيهم دعا الله حين طلبوا منه ملكًا، فأتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم، فلم يساوها إلا طالوت {قَالَ} نبيهم {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {اصْطَفَاهُ} واختاره للملك {عَلَيْكُمْ}؛ أي: أجابهم نبيهم على ذلك الاعتراض، فقال: إن الله اختاره عليكم، وهو أعلم بالمصالح منكم {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ}؛ أي: سعة في علوم السياسة والديانة والحروب


(١) البحر المحيط.
(٢) النسفي.