للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والطريق الموصل إلى مرضاته.

٢٠ - ثم رخص لأمته في ترك قيام الليل كله للمشقة التي تلحقهم إذا هم فعلوا ذلك، فقال: {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ}؛ أي: تصلي كقوله: {قُمِ اللَّيْلَ}، لما كان أكثر أحوال الصلاة القيام عبر به عنها. {أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ}؛ أي: أقل منهما. فإطلاق الأدنى على الأقل مجاز (١) مرسل من قبيل إطلاق الملزوم على اللازم، لما أن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز والحدود، وإذا بعدت كثر ذلك.

روي: أنه تعالى افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولًا مع مشقة عظيمة من حيث إنه يعسر عليهم تمييز القدر الواجب حتى قام أكثر الصحابة الليل كله خوفًا من الخطأ في إصابة القدر المفروض، وصاروا بحيث انتفخت أقدامهم، واصفرت ألوانهم، وأمسك الله خاتمة السورة من قوله: {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ، اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل الله في آخر السورة التخفيف، فنسخ تقدير القيام بالمقادير المذكورة مع بقاء فرضية أصل التهجد حسبما تيسر، ثم نسخ نفس الوجوب أيضًا بالصلوات الخمس، لما روي: أن الزيادة على الصلوات الخمس تطوع.

{وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} بالنصب عطفًا على {أَدْنَى}. والثلث: أحد الأجزاء الثلاثة، والجمع أثلاث؛ أي: أنك تقوم أقل من ثلثي الليل، وتقوم نصفه وثلثه.

وقرأ الجمهور (٢): {مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} بضمّ اللام. وقرأ الحسن، وشيبة، وأبو حيوة، وابن السميفع، وهشام، وابن مجاهد عن قنبل فيما ذكر صاحب "الكامل" بإسكانها، وجاء ذلك عن نافع، وابن عامر فيما ذكر "صاحب اللوامح". وقرأ العربيّان: أبو عمرو وابن عامر، ونافع {ونصفه وثلثه} بجرهما عطفًا على {ثُلُثَيِ اللَّيْلِ}. وقرأ باقي السبعة، وزيد بن علي بالنصب عطفًا على {أَدْنَى}؛ لأنه منصوب على الظرف؛ أي: وقتًا أدنى من ثلثي الليل، فقراءة النصب مناسبة للتقسيم الذي في أوّل السورة؛ لأنّه إذا قام الليل إلا قليلًا صدق عليه أدنى من ثلثي الليل؛ لأن الزمان


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.