للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفسها. ثم ليس المراد مجرد جعل عددهم ذلك العدد المعين في نفس الأمر، بل جعله في القرآن أيضًا كذلك، وهو الحكم بأن عليها تسعة عشر، إذ بذلك يتحقق افتتانهم باستقلالهم له واستبعادهم لتولي هذا العدد القليل أمر الجم الغفير، واستهزائهم به حسبما ذكر، وعليه يدور ما سيأتي من استيقان أهل الكتاب وازدياد المؤمنين إيمانًا.

قال الإِمام الرازّي (١): إنما صار هذا العدد سببًا لفتنة الكفار من وجهين:

الأول: أن الكفار يستهزئون ويقولون: لم لا يكونون عشرين مثلًا، وما المقتضي لتخصيص هذا العدد؟

والثاني: أنّ الكفار يقولون: هذا العدد القليل كيف يكون وافيًا بتعذيب أكثر العالم من الجن والإنس من أول ما خلق الله تعالى إلى قيام الساعة؟

وأجيب عن الأول: بأن هذا السؤال لازم عن كل عدد يفرض، وبأن أفعال الله لا تعلل فلا يقال فيها: لِمَ، وتخصيص هذا العدد لحكمة اختص الله بها.

وعن الثاني: بأنه لا يبعد أن الله تعالى يعطي ذلك العدد القليل قوة تقي بذلك، فقد اقتلع جبريل عليه السلام مدائن قوم لوط على أحد جناحيه ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها. وأيضًا فأحوال القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا، ولا للعقل فيها مجال اهـ "خازن" و"خطيب".

وقوله: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} متعلق بالجعل الثاني على المعنى المذكور. والسين (٢) للطلب؛ أي: وجعلنا عدتهم العدد المذكور القليل الذي تسبَّب لضلال الكفار ليكتسب الذين أوتوا الكتاب اليقين بنبوته - صلى الله عليه وسلم - وصدق القرآن لما شاهدوا ما فيه موافقًا لما في كتابهم. وفي "عين المعاني": سأل اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خزنة النار وعددهم؟ "فأجاب عليه السلام: بأنهم تسعة عشر؛ أي: إنه سبحانه جعل عدة خزنة جهنم هذه العدّة، ليحصل اليقين لليهود والنصارى بنبوّة محمد - صلى الله عليه وسلم - لموافقة ما في القرآن لكتبهم، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد، وغيرهم. وقيل: {لِيَسْتَيْقِنَ}


(١) التفسير الكبير.
(٢) روح البيان.