للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كفّار الثقلين، وعصاتهم بهذا العدد القليل بل هو لا يحتاج في ذلك إلى أعوان وأنصار أصلًا، فإنّه لو قلب شعرةً واحدةً في عين ابن آدم، أو سلَّط الألم على عرق واحد من عروق بدنه.، لكفاه ذلك بلاءً ومحنة. وإنما عيّن العدد وخلق الجنود لحكمة لا لاحتياجٍ. ويجوز أن يعود الضمير إلى الآيات الناطقة بأحوال سقر، فإنّها تذكرة لاشتمالها على الإنذار.

٣٢ - ثم ردع سبحانه المكذبين وزجرهم، فقال: {كَلَّا} ردع لمن أنكر سقر؛ أي: ارتدعوا وانزجروا عن إنكار سقر، فإنها حق لا سبيل لكم إلى إنكارا لتظاهر الأدلة عليها. أو إنكار ونفي لكونها تذكرة لهم، فإن كونها ذركما للبشر لا ينافي أن بعضهم لا يتذكرون، بل يعرضون عنها بسوء اختيارهم، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) قال الفرّاء: {كلا} (١) صلة للقسم التقدير أي: والقمر، وقيل المعنى: حقًّا والقمر. وقال ابن جرير: المعنى: رد زعم من زعم أنه يقاوم خزنة جهنم؛ أي: ليس الأمر كما يقول. ثم أقسم على ذلك بالقمر وبما بعده، وهذا هو الظاهر من معنى الآية. {وَالقَمَرِ} مقسم به، مجرور بواو القسم. وفي "فتح الرحمن": وهذا تخصيص تشريف، وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرته في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل. وقال أبو الليث: وخالق القمر يعني: الهلال بعد ثالثه.

٣٣ - {وَاللَّيْلِ} معطوف على {القمر}، وكذا {الصبح} {إِذْ} بسكون الذال، وهو ظرف لما مضى من الزمان. {أَدْبَرَ} على وزن أفعل؛ أي: انصرف وذهب فإنّ الإدبار ضدّ الإقبال.

وقرأ (٢) ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وعطاء، وابن يعمر، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو الزناد، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وطلحة، والنحويّان والابنان، وأبو بكر {إذا} على أنّه ظرف لما يستقبل من الزمان، {دبر} بفتح الدال بزنة ضرب. وقرأ ابن جبير، والسلميّ، والحسن بخلاف عنهم، وابن سيرين، والأعرج، وزيد بن عليّ، وأبو شيخ، وابن مُحَيّصن، ونافع، وحمزة، وحفص {إذْ} بسكون الذال على أنه ظرف لما مضى من الزمان. {أدبر} بوزن أكرم. ودبر وأدبر لغتان، كما يقال: أقبل الزمان، وقبل الزمان، ويقال دبر الليل، وأدبر الليل


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.