للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السيئات والآثام، كما قال: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)}، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)}. وإذًا فلا بُدَّ من دارٍ للثواب والعقاب والبعث والقيامة.

٣٧ - وقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧)} استئناف (١) وارد لإبطال الحسبان المذكور، فإنّ مداره .. لما كان استبعادهم للإعادة استدل على تحققها ببدء الخلق. وقال ابن الشيخ: هو استدلال على صحة البعث بدليل ثان والاستفهام للتوبيخ والنطفة بالضم: الماء الصافي قلَّ أو كثر. والمني: ماء الرجل والمرأة؛ أي: ما خلق منه حيوان، فالحبل لا يكون إلا من الماءين. وقوله: {يُمْنَى} بالياء صفة {مَنِيٍّ}، وبالتاء صفة {نُطْفَةً} بمعنى يصب ويراق في الرحم. سميت منى كإلى وهي قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين.

والمعنى: ألم يكن ذلك الإنسان ماء قليلًا - كائنًا من ماء معروف بخسَّة القدر واستقذار الطبع، ولذا نكرَّهما - يمنى ويصب في الرحم، نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الإنسان أوَّلًا وكمال قدرته ثانيًا، حيث صيَّر مثل هذا الشيء الدنيء بشرًا سويًّا. وقال بعضهم: فائدة قوله: {يُمْنَى} للإشارة إلى حقارة حاله، كأنّه قيل: إنّه مخلوق من المنيّ الذي يجري على مخرج النجاسة، فكيف يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله فيما أمر به ونهى؟ إلَّا أنه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز، كما في قوله تعالى في عيسى ومريم عليهما السلام: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}، والمراد منه قضاء الحاجة كنايةً.

وقرأ الجمهور (٢): {أَلَمْ يَكُ} بياء الغيبة، والحسن بتاء الخطاب على سبيل الالتفات. وقرأ الجمهور "تمنى" بالتاء؛ أي: النطفة يمنيها الرجل. وقرأ ابن محيصن، والجحدري، وسلام، ويعقوب، وحفص، وأبو عمرو بخلاف عنه {يُمْنَى} بالياء؛ أي: يمنى المني.

٣٨ - {ثُمَّ كَانَ} المنيُّ بعد أربعين يومًا {عَلَقَةً}؛ أي: قطعة دم جامد غليظ أحمر بقدرة الله تعالى بعدما كان ماء أبيض، كقوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} وهو


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.