للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران". والعبوس: قطوب الوجه وتغيره من ضيق الصدر. أو معنى {عَبُوسًا} يشبه الأسد العبوس في الشدّة والضراوة. أي السطوة والإقدام على إيصال الضرر بالعنف والحدة بكل من رآه فهو من المبالغة في التشبيه، فان العبوس الأسد كالعباس. {قَمْطَرِيرًا}؛ أي: شديد العبوس. وقال مجاهد (١): إن العبوس بالشفتين، والقَمْطَرير بالجبهة والحاجبين.

والخلاصة: أي إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربنا، ويتلقانا بلطفه في ذلك اليوم العبوس القمطرير.

١١ - وبعد أن حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعة لغرضين: طلب رضا الله، والخوف من يوم القيامة بين أنه أعطاهم الغرضين. فأشار إلى الثاني بقوله: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ} سبحانه، وحفظهم {شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ}؛ أي: ضرره بسبب خوفهم وتحفظهم منه. فـ {شَرَّ} مفعول ثان لوقى المتعدي إلى اثنين. وقرأ الجمهور {فَوَقَاهُمُ} بتخفيف القاف، وأبو جعفر بشدّها.

والمعنى: أي فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شرّ ذلك اليوم العبوس بما كانوا يعملون مما يرضي ربهم عنهم من الإطعام لوجه الله تعالى.

وأشار إلى الأوّل بقوله: {وَلَقَّاهُمْ} أي: أعطاهم بدل العبوس في الكفار {نَضْرَةً} وحسنًا وإضاءة في الوجوه {وَسُرُورًا} وفرحًا في قلوبهم بدل حزن الفجار. وقال الضحاك: النضرة: البياض والنقاء في وجوههم. وقال سعيد بن جبير: الحسن والبهاء، وقيل: النضرة: أثر النعمة. وهما مفعولان ثانيان لـ {لقاهم}. ونحو الآية قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)} وقد جرت العادة: أن القلب إذا سر .. استنار الوجه. قال كعب بن مالك: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سرّ .. استنار وجهه كأنه فلقة قمر. وقالت عائشة رضي الله عنها: "دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرورًا تبرق أسارير وجهه ... " الحديث.

١٢ - {وَجَزَاهُمْ}؛ أي: أعطى كلَّ واحدٍ منهم بطريق الأجر والعوض {بِمَا صَبَرُوا} على مشاق التكاليف ومخالفة الشهوات. فـ {ما} مصدرية؛ أي: بسبب صبرهم


(١) الشوكاني.