للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل (١): أليست إرادة الله وقدرته كافيتين في التثبيت؟.

أجيب: بأنه نعم إلا أنه مسبب الأسباب، وذلك من كمال القدرة، وإطلاق كلمة الأرض على الكرة الأرضية اصطلاح أهل الهيئة، وليس معناها في اللغة إلا البسيط الممدود تحت أقدام المخلوقين المسمى بالبر، وهو قشر جامد على مائع مذاب، ولا بد أن يكون في معرض الميدان والاضطراب، ولولا أن الجبال أثقلته واشتبكت به أصولها، وهي من الأحجار الصلبة والصخور الجامدة .. لكانت الزلازل دائمة الحدوث، والخسف والشق وهلاك آلاف من النفوس في كل يوم متواترةً متكررةً، ولكن الحكمة الربانية اقتضت تصلب القشر الأرضي بالأحجار؛ لئلا تميد بأهلها، فسبحان الذي جعل الجبال أوتادًا، والأرض مهادًا، وسلكها ينابع وأنهارًا وسبلًا فجاجًا، جل جلاله وعز كماله.

٣ - ٨ {وَخَلَقْنَاكُمْ} معطوف على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه، فإنه في قوة: إنا جعلنا الأرض مهادا، أو على ما يقتضيه الاستفهام التقريري، فإنه في قوة أن يقال: قد جعلنا الأرض مهادًا. {أَزْوَاجًا}؛ أي: حال كونكم أصنافًا ذكرًا وأنثى ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر، وينتظم أمر المعاشرة والمعاش، ويتسنى التناسل.

والمعنى (٢): أي وجعلناكم أصنافًا ذكورًا وإناثًا ليتمتع كل منكم بالآخر، وليتم الائتناس، والتعاون على سعادة المعيشة، وحفظ الحياة بالإنسال والتوليد، وتكميلها بالتربية والتعليم قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} وقيل: معناه: وخلقناكم أشكالًا كل واحد شكل للآخر، وقيل: معنى أصنافًا: أي: أسود وأبيض وأحمر وأصفر وصغيرًا وكبيرًا، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف بين بني آدم.

وقال بعضهم: معنى الآية: وخلقناكم حال كونكم معروضين لأوصاف متقابلة، كل واحد منها مزدوج بما يقابله، كالفقر والغنى، والصحة والمرض، والعلم والجهل، والقوة والضعف، والذكورة والأنوثة، والطول والقصر، إلى غير


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.