للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجلّ، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١)}.

والمعاش: مصدر بمعنى العيش، وكل شيء يعاش به، ولا بد من تقدير مضاف؛ أي: وقت طلب معاش، كما سيأتي البحث عنه في مبحث التصريف.

٧ - ١٢ {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ}؛ أي: خلقنا فوق رؤوسكم {سَبْعًا}؛ أي: سبع سموات {شِدَادًا} جمع شديد؛ أي: غلاظًا قوية الخلق محكمة البناء لا يؤثر فيها مر الدهور، ولا كر العصور، ليس فيها تصاع ولا فطور، غلظ كل واحدة منها مسيرة خمس مئة عام، كما ورد في الحديث، والتعبير (١) عن خلقها بالبناء مبني على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على الخلق.

٨ - ١٣ {وَجَعَلْنَا}؛ أي: أنشأنا وأبدعنا {سِرَاجًا} هو الشمس، والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء، قال الراغب: السراج: الزاهر بفتيلة ودهن، ويعبر به عن كل شيء مضيء، ويقال للسراج مصباح. {وَهَّاجًا}؛ أي: وقادًا متلألئًا، من وهجت النار إذا أضاءت، أو بالغًا في الحرارة من الوهج وهو الحر، وهو كما قال بعض المفسرين: {سِرَاجًا وَهَّاجًا}؛ أي: مضيئًا جامعًا بين النور والحرارة، وقال بعضهم: {سِرَاجًا}؛ أي شمسًا {وَهَّاجًا}؛ أي حارًا مضطرم الاتقاد، وقال ابن عمر: الشمس في السماء الرابعة إلينا ظهرها، ولهيبها يضطرم علوًا. كذا في "البحر".

قيل (٢): إن الشمس والقمر خلقا في بدء أمرهما من نور العرش، ويرجعان في القيامة إلى نور العرش، وذلك فيما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا أحدثكم بما سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الشمس والقمر، وبدء خلقهما، ومصير أمرهما، قال: قلنا: بلى يرحمك الله، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سئل عن ذلك، فقال: "إن الله تعالى لما أبرز خلقه إحكامًا، ولم يبق من خلقه غير آدم، خلق شمسين من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أن يدعها شمسًا، فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وما كان في سابق علمه أن يطمسها


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.