للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ} إلخ؛ أي (١): ارتدعوا عن الاغترار بكرمي لكم، فإنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمي عليكم، ويدعوه إرشادي لكم، بل تجترئون على ما هو أعظم منه، فتكذبون بيوم الجزاء والحساب على القليل والكثير يوم تبعثون للفصل بينكم، فتجازى كل نفس بما عملت وما قدمت وما أخرت.

ثم حذرهم من تماديهم في غيهم ببيان أن أعمالم محصاة عليهم، فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ...} إلخ؛ أي: إن أعمالكم محصاة عليكم، فقد وكل بكم ملائكة حفظة كرام كاتبون يحصون كل ما تعملون من خير أو شر، وقد ذكر ذلك في غير موضع من الكتاب الكريم، كقوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً}، وليس علينا أن نبحث عن كنه هؤلاء الحفظة، ولا أن نعرف من أي شيء خلقوا، وما عملهم، وكيف يحفظون الأعمال، وهل عندهم أوراق وأقلام، أو هناك ألواح ترسم فيها الأعمال، أو هم أرواح تتجلى فيها تلك الأعمال، فتبقى فيها بقاء المداد في القرطاس، كل ذلك لم نكلف العلم به، وإنما نكلف الإيمان بصدق الخبر، وتفويض الأمر في حقيقته إلى الله تعالى.

١٣ - ثم ذكر نتيجة الحفظ والكتابة من الثواب والعقاب، وبين أن العالمين في ذلك اليوم فريقان، وبين مآل كل منهما فقال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ} الذين (٢) بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء الفرائض واجتناب المعاصي، جمع: بر بالفتح، وهو بمعنى الصادق والمطيع والمحسن، وأحسن الحسنات: لا إله إلا الله وما يتبعها، ثم بر الوالدين. وفي "فتح الرحمن": البر: هو الذي قد اطرد بره عمومًا، فبر ربه في طاعته إياه، وبر الناس في جلب ما استطاع من الخير لهم، وكير ذلك. {لَفِي نَعِيمٍ} عظيم، وهو نعيم الجنة وثوابها، والتنوين للتفخيم

١٤ - {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} الذين شقوا ستر الديانة، بالكفر والمعاصي، جمع: فاجر، من الفجور، وهو شق عصا الديانة {لَفِي جَحِيمٍ} أي لفي نار متأججة مسعرة وعذاب هائل، والتنوين للتويل، والجملتان مستأنفتان مسوقتان لبيان ما يكتبون لأجله، وهو أن الغاية؛ إما النعيم، وإما الجحيم، وهي قوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}،

١٥ - وجملة قوله: {يَصْلَوْنَهَا}؛ أي: يصلون الجحيم


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.