للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البلاغة

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}: وتقديم السّنة على النوم يفيد المبالغة من حيث إن نفى السّنة يدل على نفى النوم، ففي ذكره ثانيًا صريحًا إفادة المبالغة؛ أي: لا تأخذه سنَة فضلًا عن أن يأخذه نوم، وكُررت {لَا} تأكيدًا، وفائدتها: انتفاء كل واحد منهما على حِدَتِه؛ إذ لو أُسقطت {لَا} .. لاحْتُمل انتفاؤهما بقيد الاجتماع. تقول: ما قام زيد وعمرو، بل أحدهما، ولا يقال: ما قام زيد ولا عمرو، بل أحدهما.

{اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}: هذا الكلام: إما من (١) باب الاستعارة التمثيلية، مبني على تشبيه الهيئة العقلية المنتزعة من ملازمة الاعتقاد الحق بالهيئة الحسية المنتزعة من التمسك بالحبل المحكم، وإما من باب الاستعارة المفردة؛ حيث استعيرت العروة الوثقى للاعتقاد الحق. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: فيه استعارة تصريحية؛ حيث شبَّه الكفر بالظلمات والإيمان بالنور. قال في "تلخيص البيان": وذلك من (٢) أحسن التشبيهات؛ لأن الكفر كالظلمة يتسكع فيها الخابط، ويضل فيها المقاصد، والإيمان كالنور الذي يَؤُمه الجائر، ويهتدي به الحائر، وعاقبة الإيمان مضيئة بالنعيم والثواب، وعاقبة الكفر مظلمة بالجحيم والعذاب.

وقال أبو حيان (٣): وذكروا في هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة، وعلم البيان:

منها: في آية الكرسي حسن الافتتاح؛ لأنها افْتُتحِتْ بأجلِّ أسماء الله تعالى، وتكرار اسمه في ثمانية عشر موضعًا، وتكرير الصفات، والقطع للجمل بعضها عن بعض، ولم يصلها بحرف العطف.

ومنها: الطباق في قوله: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} فإن النوم


(١) الجمل.
(٢) تلخيص البيان.
(٣) البحر المحيط.