للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المخصوصة بأكل الربا، فيعرفه أهل الموقف بتلك العلامة أنه أكل الربا في الدنيا، فعلى هذا معنى الآية: أنهم يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بالجنون، وإما متعلق بـ {يقوم} أو بـ {يتخبط} والخبط: الضرب، والمشي من غير استواء.

وهذا على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، وفي الآية (١) دليل على فساد قول من قال: أن الصرع لا يكون من جهة الجن، وزعم: أنه من فِعْل الطبائع، وقال: إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان، وليس بصحيح. وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان، ولا يكون منه مسٌّ، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يتخبطه الشيطان، كا أخرجه النسائي وغيره.

{ذَلِكَ} العقاب الذي نزل بهم، وهو كون التخبل علامة آكل الربا في الآخرة {بِأَنَّهُمْ قَالُوا}؛ أي: بسبب قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}؛ أي: (٢) إنما البيع بلا زيادة عند حلول الأجل، كالبيع بزيادة عند حلوله، فإن العرب لا تعرف ربا إلا ذلك، وإنما شبهوا البيع بالربا مع أن الكلام في الربا، وكان مقتضاه: إنما الربا مثل البيع مبالغةً بجعلهم الربا أصلًا في الحل، والبيع فرعًا فيه. أو المعنى (٣): إنما الزيادة والربح في البيع كالزيادة في الربا؛ أي: اعتقدوا مدلول هذا القول وفعلوا مقتضاه؛ أي: ذلك العذاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح، فاستحلوا الربا استحلال البيع، وقالوا: يجوز بيع درهم بدرهمين؛ كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدرهمين، فجعلوا الربا أصلًا في الحل، وقاسوا به البيع مع وضوح الفرق بينهما، فإن من أعطى درهمين بدرهم .. ضيَّع درهمًا، ومن اشترى سلعة بدرهمين تساوي درهمًا .. فلعل مساس الحاجة إليها، أو توقع رواجها يجبرُ هذا الغُبْن.


(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) أبو السعود.