للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجماعة من الذين أوتوا الكتاب فيما يدعونكم إليه، وأصغيتم لهم، واستجبتم لما يدعونكم إليه مما يثير الفتنة بينكم كما مر في سبب النزول، وهم: شاس بن قيس، وعمرو بن شاس، وجبار بن صخر، وغيرهم {يَرُدُّوكُمْ} أي: يصيروكم بعد إيمانكم كافرين؛ أي: يردوكم إلى الكفر بعد الإيمان، والكفر: يوجب الهلاك في الدنيا والدين. أما في الدنيا فبوقوع العداوة والبغضاء وهيجان الفتنة المؤدي إلى سفك الدماء. وأما الدين فلا حاجة إلى بيانه.

١٠١ - {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} استفهام إنكار واستبعاد لوقوع الكفر منهم في هاتين الحالتين، وهما تلاوة كتاب الله عليهم، وهو القرآن الظاهر الإعجاز، وكينونة الرسول فيهم الظاهر على يديه الخوارق ووجود هاتين الحالتين تنافي الكفر، ولا تجامعه، فلا يتطرق إليهم كفر مع ذلك، أي: وكيف يوجد منكم الكفر {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ}؛ أي: والحال أنكم تقرأ عليكم آيات الله القرآنية التي فيها بيان الحق من الباطل على لسان نبيكم غضًّا طريًا {وَفِيكُمْ}؛ أي: ومعكم {رَسُولُهُ} تعالى محمَّد - صلى الله عليه وسلم - الذي يبين لكم الحق، ويدفع عنكم الشبه.

قال قتادة (١): في هذه الآية علمان بينان: كتاب الله، ونبي الله. فأما نبي الله: فقد مضى، وأما كتاب الله: فأبقاه الله بين أظهرهم رحمةً منه ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته انتهى.

وقال الزمخشري (٢): {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} معنى الاستفهام فيه: الإنكار، والتعجب، والمعنى: من أين يتطرق إليكم الكفر، والحال أن آيات الله، وهي القرآن المعجز تتلى عليكم على لسان الرسول غضة طرية وبين أظهركم رسول الله ينبهكم ويعظكم، ويزيح شبهكم، ولكم في سنته خير أسوة تُغَذِّي إيمانكم، وتنير قلوبكم، فلا ينبغي لمثلكم أن تلتفتوا إلى قولهم، بل الواجب عليكم أن ترجعوا عند كل شبهة تسمعونها من هؤلاء اليهود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يكشف عنها، ويزيل ما علق بقلوبكم منها.


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.