للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمثالهم المنافقين {وَقَعَدُوا}؛ أي: والحال أن المنافقين القائلين قد قعدوا وجلسوا عن الخروج للقتال مع النبي - صلى الله عليه وسلم - {لَوْ أَطَاعُونَا}؛ أي: لو أطاع المقتولون إيانا فيما أمرناهم به من القعود، ووافقونا في ذلك، ولم يخرجوا للقتال كما لم نخرج {مَا قُتِلُوا}؛ أي: لما قتلوا يومئذٍ كما أنا لم نقتل.

وقرأ الحسن وهشام: {قُتِّلُوا} بتشديد التاء، وفي هذا إيماءٌ إلى أنهم أمروهم بالانخذال، حين انخذلوا.

أخرج ابن جرير عن السدي قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ألف رجلٍ وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبي في ثلاث مئة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فقالوا: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم، ولئن أطعتنا لترجعن معنا فنعى الله عليهم ذلك بقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} الآية.

وقد دحض الله تعالى حجتهم، وأبان لهم كذبهم، ووبخهم على ما قالوا، فقال لنبيه ردًّا عليهم. {قُلْ} يا محمَّد لهؤلاء المنافقين القائلين ذلك {فَادْرَءُوا}؛ أي: فادفعوا {عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أن القعود ينجي من الموت.

يعني أن (١) صدور هذا القول الجازم منكم يدل على أنكم قد أحطتم علمًا بأسباب الموت في هذه الواقعة، وإذا جاز فيها جاز في غيرها، وحينئذٍ يمكنكم درء الموت ودفعه عن أنفسكم، فادفعوا عنها إن كنتم صادقين.

والخلاصة: أنكم إن كنتم صادقين في أن الحذر يغني عن القدر، وأن سلامتكم كانت بسبب قعودكم عن القتال لا بغيره من أسباب النجاة، فادفعوا سائر صنوف الموت عن أنفسكم، فإنه أحرى بكم.

والمعنى (٢): أن القعود غير مغنٍ عن الموت، فإن أسباب الموت كثيرةٌ، وكما أن القتال يكون سببًا للهلاك، والقعود يكون سببًا للنجاة قد يكون الأمر بالعكس، فلا تغتروا بما قلتم.


(١) المراغي.
(٢) البيضاوي.