للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإِسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وكقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} .. الآية.

وقد تقرر بالسنة المطهرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر مع الأمن، ففي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: "سافر بين مكة والمدينة لا يخاف إلا الله عز وجل، فكان يصلي ركعتين" فالقصر (١) مع الخوف ثابت بالكتاب، والقصر مع الأمن ثابت بالسنة، ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضة ما تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - من القصر مع الأمن فحينئذ فالقصر في السفر رخصة، سواء وجد خوف أم لا، ويدل على أن قيد الخوف لا مفهوم له قراءة أبي: {أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا} بسقوط: {إنْ خفتم} والمعنى على هذه القراءة: كراهية أن يفتنكم الذين كفروا. وقرأ (٢) الزهري {تقصِّروا} مشددًا، وقرأ ابن عباس {أن تقصروا رباعيا} وبه قرأ الضبي عن رجاله، وقرأ أبي وعبد الله: {أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم} بإسقاط إن خفتم، وهو مفعول من أجله من حيث المعنى؛ أي: مخافة أن يفتنكم، كما مر آنفًا.

ويؤخذ من قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أنَّه رخصة لا واجب، وعليه الشافعي؛ لأن {لَّا جُنَاحَ} يستعمل في موضع التخفيف والرخصة، لا في موضع العزيمة، بخلاف أبي حنيفة فإن القصر واجب عنده.

{إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} أي: ظاهري العداوة، فتحرزوا عنهم؛ أي: إن العداوة الحاصلة بينكم وبين الكافرين قديمة، والآن قد أظهرتم خلافهم في الدين، وازدادت عداوتهم، وبسبب شدة العداوة قصدوا إتلافكم إن قدروا، فإنْ طالت صلاتكم .. فربما وجدوا الفرصة في قتلكم، فلأجل هذا رخصت لكم


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.