للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنزل قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} في شأن طعمة بن أبيرق سارق الدرع، ورميه اليهودي بسرقته، وأنزل أيضًا قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ...} إلخ، في ارتداده عن الدين، ولحوقه بالمشركين .. ذكر هنا أنه لو لم يرتد لم يكن محرومًا من رحمة الله، ولكنه بارتداده صار بينه وبين رحمته حجاب أيما حجاب، فإن كل ذنب يجوز أن يغفره الله للناس إلا ذنب الشرك، فإن صاحبه مطرود من عفوه ورحمته.

قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ...} هو الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما بين في الآيات السالفة أن الشيطان يعدهم ويمنيهم، ويدخل في تلك الأماني ما كان يمنيه أهل الكتاب، من الغرور بدينهم، إذ كانوا يرون أنهم شعب الله الخاص، ويقولون إنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودات، وقد سرى لهم هذا الغرور من اتكالهم على الشفاعات، وزعمهم أن فضلهم على غيرهم من البشر بمن بعث فيهم من الأنبياء، فهم يدخلون الجنة بكرامتهم لا بأعمالهم .. حذرنا هنا في هذه الآيات الكريمات أن نكون مثلهم، وكانت هذه الأماني قد دبت إلى المسلمين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما دل على ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ ...} ... الآية، فلضعفاء الإيمان من المسلمين في الصدر الأول ولأمثالهم في كل زمن أنزلت هذه الموعظة، ولو تدبروها لما كان لهذه الأماني عليهم من سلطان.

أسباب النزول

قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ...} الآية، روي في سبب نزولها (٢): أن طعمة بن أبيرق لما رأى أن الله تعالى هتك ستره، وبرأ اليهودي عن تهمة السرقة .. ارتد وذهب إلى مكة، ونقب جدار إنسان لأجل السرقة، فتهدم الجدار عليه ومات، فنزلت هذه الآية.


(١) المراغي.
(٢) المراح.