للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالملامسة المباشرة المشتركة بين الرجال والنساء، والحدث الموجب للغسل يسمى الحدث الأكبر، والموجب للوضوء يسمى الأصغر {فَلَمْ تَجِدُوا} يا معشر المسافرين والمحدثين حدثًا أصغر أو أكبر {مَاءً} بعد طلبه {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}؛ أي: فاقصدوا ترابًا طاهرًا {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} بالضربة الأولى {وَأَيْدِيكُمْ} بالضربة الثانية {مِنْهُ}؛ أي: من ذلك الصعيد. وقد تقدم تفسير هذا في سورة النساء مستوفى، وكذلك تقدم الكلام على ملامسة النساء وعلى التيمم وعلى الصعيد، ووجه التكرير هذا هنا لاستيفاء الكلام في أنواع الطهارة، ومن في قوله: {مِنْهُ} لابتداء الغاية، وقيل للتبعيض وفي قوله: {مِنْهُ} دليل على أنَّه يجب مسح الوجه واليدين بالصعيد وهو التراب.

{مَا يُرِيدُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ} أيها المؤمنون فيما شرعه لكم في هذه الآية، وفي غيرها {مِنْ حَرَجٍ}؛ أي: حرجًا ما وضيقًا؛ أي: أدنى ضيق وأقل مشقة بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم عند عدم الماء؛ لأنَّه تعالى غني عنكم، رحيم بكم، فلا يشرع لكم إلا ما فيه الخير والصلاح لكم {وَلَكِنْ يُرِيدُ} الله سبحانه وتعالى {لِيُطَهِّرَكُمْ} من الأقذار والرذائل والمنكرات والعقائد الفاسدة، فتكونوا أنظف الناس أبدانًا، وأزكاهم نفوسًا، وأصحهم أجسادًا، وأرقاهم أرواحًا. وقيل المعنى (١): ليطهر قلوبكم عن صفة التمرد عن طاعة الله تعالى؛ لأنَّ الكفر والمعاصي نجاسات للأرواح، وذلك لأنه تعالى لما أمر العبد بإيصال الماء إلى هذه الأعضاء المخصوصة - وكانت طاهرة - لم يعرف العبد في هذا التكليف فائدة معقولة، فلمَّا انقاد لهذا التكليف .. كان ذلك الانقياد محض إظهار العبودية، فأزال هذا الانقياد عن قلبه آثار التمرد، فكان ذلك طهارة للقلوب والأبدان، {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} فيجمع (٢) لكم بين طهارة الأبدان وطهارة الأرواح، والإنسان إنما هو روح وجسد. والصلاة تطهر الروح وتزكي النفس، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتعود المصلي مراقبة ربه في السر والعلن، وخشيته حين الإساءة، والرجاء فيه لدى الإحسان، والطهارة


(١) المراح.
(٢) المراغي.