للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الميثاق؛ أي: واذكر يا محمَّد لبني إسرائيل المعاصرين لك وسائر من تبلغهم دعوتك قصة حين قال موسى لقومه، بعد أن أنقذهم الله تعالى من ظلم فرعون وقومه، وأخرجهم من ذلك البلد الظالم أهله {يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} باللسان والجنان، واشكروه على ذلك بالطاعة له؛ لأن ذلك يوجب مزيدها كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وتركها يوجب المؤاخذة والعذاب الشديد، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. قال الطبري: هذا تعريف من الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بتمادي هؤلاء اليهود في الغيّ وبعدهم عن الحق، وسوء اختيارهم لأنفسهم، وشدة مخالفتهم لأنبيائهم مع كثرة نعم الله عليهم، وتتابع أياديه وآلائه لديهم، سلى بذلك نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عما نزل به من مقاساتهم ومعالجتهم في ذات الله عز وجل. وقرأ ابن محيصن (١): {يا قوم} بضم الميم، وكذا حيث وقع في القرآن. وروي ذلك عن ابن كثير، وهذا الضم هو على معنى الإضافة، كقراءة من قرأ: {قل رب أحكم بالحق} - بالضم - وهي إحدى اللغات الخمس الجائزة في المنادى المضاف لياء المتكلم، وما ذكره الشوكاني هنا من تقديره بـ: يا أيها القوم اذكروا، غير صواب؛ لأنه يشعر بأنه نكرة مقصودة. وقد بين لهم موسى أصناف هذه النعم التي منحها لهم مولاهم، وحصرها في ثلاثة أشياء:

الأول: وهو أرفعها قدرًا وأعلاها ذكرًا ما ذكره بقوله: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ}؛ يعني: أن موسى عليه السلام ذكر قومه بني إسرائيل بأيام الله عندهم، وبما أنعم به عليهم فقال: يا قومي اذكروا إنعام الله تعالى عليكم حين جعل فيكم أنبياء؛ لأنه لم يبعث في أمة من الأمم ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء، فمنهم السبعون الذين اختارهم موسى من قومه، فانطلقوا معه إلى الجبل، ومنهم أولاد يعقوب؛ فإنهم كانوا أنبياء على قول الأكثرين.

والمعروف عند أهل الكتاب (٢) أن المراد بالنبوة الإخبار ببعض الأمور


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.