للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذِمَّته .. ناسب أن يصرح بأن الرسول قد أدى وظيفة البلاغ الذي كمل به الإِسلام، وأنه لا ينبغي للمؤمنين أن يكثروا عليه من السؤال؛ لئلا يكون ذلك سببًا لكثرة التكاليف التي يشق على الأمة احتمالها، فيسرع إليها الفسوق عن أمر ربها.

قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما نهى عن سؤال ما لم يأذن فيه ولا كلفهم إياه .. منع من التزام أمور ليست مشروعة من الله تعالى، ولما سأل قوم عن هذه الأحكام التي كانت في الجاهلية، هل تلحق بأحكام الكعبة .. بين تعالى أنه لم يشرع شيئًا منها، أو لما ذكر المحللات والمحرمات في الشرع .. عاد إلى الكلام في المحللات والمحرمات من غير شرع.

وقال المراغي: مناسبتها لما قبلها: لما (٢) نهى الله في الآية السابقة عن تحريم ما أحل الله بالنذر أو بالحلف باسم الله تنسكًا وتعبدًا مع اعتقاد إباحته في نفسه، وعن الاعتداء فيه، ونهى أن يكون المؤمن سببًا لتحريم شيء لم يكن الله قد حرمه، أو شرع حكم لم يكن الله قد شرعه؛ بأن يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن شيء مما سكت الله عنه عفوًا وفضلًا .. ناسب بعد هذا أن يبين ضلال أهل الجاهلية فيما حرموه على أنفسهم، وما شرعوه لها بغير إذن من ربهم، وما قلد فيه بعضهم بعضًا على جهلهم، كما بين بطلان التقليد ومنافاته للعلم والدين.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...} الآية، قال أبو حيان: ذكروا في مناسبة هذه الآية لما قبلها (٣): أنه لما بين أنواع التكاليف، ثم قيل: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} إلى قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا ....} الآية، كان المعنى: إنَّ هؤلاء الجهال - مع ما تقدم من المبالغة في الإعذار والإنذار، والترغيب والترهيب - لم ينتفعوا بشيء منه، بل بقوا مصرين على جهلهم، فلا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.