للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بيَّن في الآيات السابقة حال طائفة من المشركين تلقي السمع مصغية للقرآن، لكن لا يدخل القلب شيء مما تسمع؛ لما عليه من أكنة التقليد والاستنكار لكل شيء جديد، فهم يستمعون ولا يسمعون .. بين في هاتين الآيتين بعض ما يكون من أمرهم يوم القيامة، وتمنيهم العودة إلى الدنيا ليعملوا صالح العمل، ويكونوا من المؤمنين حقًّا، ثم كذبهم فيما يقولون، وأنهم لو ردوا .. لعادوا لما كانوا فيه؛ لفقد استعدادهم للإيمان، وأن حالهم بلغ مبلغًا لا يؤثر فيه كشف الغطاء ورؤية الأهوال.

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ...} مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) ذكر في الآيات السالفة إنكارهم في الدنيا للبعث والجزاء .. بين هنا حالهم في الآخرة يوم يكشف عنهم الغطاء، فيتحسرون ويندمون على تفريطهم السابق، وغرورهم بذلك المتاع الزائل، ثم أردفه ذكر حقيقة الدنيا مقابلًا بينها وبين الآخرة، وموازنًا بين حاليهما لدى المتقين والعاصين.

قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل هذه السورة في دعوة مشركي مكة إلى الإسلام ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث، وكثر فيها حكاية أقوالهم بلفظ: وقالوا، نحو: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ}، {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} إلى نحو ذلك، وتلقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرد عليهم مع إقامة الحجة والبرهان بلفظ: قل، نحو: {قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بعد هذا الحجاج كله ذكر في هذه الآيات تأثير كفرهم في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحزنه مما يقولون في نبوته، وما يراه منهم من الإعراض عن دعوته، وسلاه على ذلك ببيان سنته سبحانه في الرسل مع أقوامهم، وأن كثيرًا منهم كذبوا


(١) المراغي.
(٢) المراغي.