للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثقلًا وصممًا يمنعهم عن سماعه، ويحولهم دون سماعه بقصد التدبر والوصول إلى ما فيه من الهداية والرشد، وذلك كما مرَّ في أسباب النزول: أنه اجتمع أبو سفيان صخر بن حرب، وأبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأمية وأبي ابنا خلف، والحارث بن عامر يستمعون القرآن، فقالوا للنضر: يا أبا قتيبة، ما يقول محمد؟ قال: ما أدري ما يقول، إلا أني أراه يحرك ويقول أساطير الأولين. وفي هذا (١) الكلام تشبيه للحجب والموانع المعنوية بالحجب والموانع الحسية، فالقلب الذي لا يفقه الحديث ولا يتدبره، كالوعاء الذي وضع عليه الغطاء، فلا يدخل فيه شيء، والآذان التي لا تسمع الكلام سماع فهمٍ وتدبر كالآذان المصابة بالثقل أو بالصمم، فسمعها وعدمه سواء.

بيان هذا: أن الله سبحانه وتعالى جعل التقليد الذي يختاره الإنسان لنفسه مانعًا من النظر والاستدلال والبحث عن الحقائق، فالمقلد لا يستمع إلى متكلم ليميز الحق من الباطل، وإذا وصل إلى سمعه ما هو مخالف لما يدين به لا يتدبره، ولا يراه جديرًا بالموازنة بينه وبين ما عنده من عقيدةٍ أو رأي ليختار أقربهما إلى الصحة، وأجدرهما بالصدق، وأكثرهما هداية ورشادًا، وأبعثهما إلى اطمئنان النفس الموصل لها إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

وقال (٢) ابن عطية: وهذه عبارة عن ما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلظ والبعد عن قبول الخير، كأنهم لم يكونوا سامعين لأقواله.

وقرأ الجمهور: {وَقْرًا} بفتح الواو وسكون القاف. وقرأ طلحة بن مصرف: {وقرًا} بكسر الواو وسكون القاف، كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقِّرت بالصمم، كما تُوقَّر الدابة من الحمل.

{وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ}؛ أي: وإن يرى هؤلاء المشركون كل آية من الآيات، وعلامة من العلامات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك، كانشقاق القمر،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.