للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يجعلونها في آذانها؛ لأجل مخافة الهلاك من سماعها. والموت: فساد بنية الحيوان، أو عرض لا يصحّ معه إحساس معاقب للحياة.

{وَاللَّهُ مُحِيطٌ} أصل الإحاطة: الإحداق بالشيء من جميع جهاته، بحيث لا يفوت المحاط به المحيط بوجه من الوجوه؛ أي: والله سبحانه محيط محدق {بِالْكافِرِينَ} بعلمه وقدرته، لا يفوتونه، كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة، فيحشرهم يوم القيامة، ويعذّبهم، وهذه الجملة اعتراضية منبهة، على أنّ ما صنعوا من سدّ الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئا، فإنّ القدر لا يدافعه الحذر، والحيل لا تردّ بأس الله عز وجلّ. وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيّب؛ الإيذان بأنّ ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم.

وحاصل معنى الآية (١): صفة هؤلاء المنافقين في حيرتهم ودهشتهم، كصفة أصحاب مطر شديد نازل من السماء {فِيهِ ظُلُماتٌ}؛ أي: مع ذلك المطر ظلمات متكاثفة مجتمعة من ثلاثة أنواع: ظلمة السحاب، وظلمة المطر، وظلمة الليل.

{وَ} معه {رَعْدٌ} قاصف؛ أي: شديد، وهو صوت الملك الموكل بالسحاب، {وَ} معه {بَرْقٌ} خاطف؛ أي: مسرع، وهو لمعان سوطه التي يسوق بها السحاب، وهي من نار {يَجْعَلُونَ}؛ أي: يجعل أصحاب الصيّب أصابعهم؛ أي: رؤوس أصابعهم ويضعونها في آذانهم {مِنَ الصَّواعِقِ}؛ أي: من أجل شدّة صوت الرعد. ف (أل) في {الصَّواعِقِ} للعهد الذكري؛ لأنّه تقدم ذكرها بعنوان الرعد، فهي عين الرعد السابق، فالتعبير هنا بالصواعق، وهناك بالرعد؛ للتفنّن، ولا يضرّ في العهد الذكري اختلاف العنوان، كما هو مقرر في محلّه، كما في «الجمل». {حَذَرَ الْمَوْتِ}؛ أي: لأجل خوف الموت والهلاك من سماعها. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ}؛ أي: محيط بهم بقدرته وعلمه، وهم في قبضته، وتحت إرادته ومشيئته، لا يفوتونه، كما لا يفوت من أحاط به الأعداء من كلّ جانب.


(١) عمدة التفاسير.