للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من العجائب، ثم الورقة؛ لأنها يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها إلا الله، ثم ذكر ما هو أضعف من الورقة، وهو الحبة، ثم ذكر مثالًا يجمع الكل، وهو الرطب واليابس، فذكر هذه الأشياء، وأنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه وتعالى، فصارت الأمثال منبهة على عظمة عظيمة، وقدرة عالية، وعلم واسع، فسبحان العلم الخبير.

وعبارة "المراغي" هنا: {وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ أي: وما (١) تسقط من حبَّة بفعل الإنسان باختياره، كالحب الذي يلقيه الزراع في بطون الأرض يسترونه بالتراب، فيحجب عن ضوء النهار، أو تذهب به النمل في قراها وحجورها، أو بغير فعل الإنسان؛ كالذي يسقط من النبات في الشقوق والأخاديد، وما يسقط من الثمار رطبًا ويابسًا إلا وهو في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب ذلك فيه، وكتب عدده، والوقت الذي يوجد فيه، والذي يفنى فيه، وجعل الكتاب مبينًا؛ لأنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم عليه، هذا هو الذي اختاره الزجاج لقوله في الآية الأخرى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}، واختار الرازي أن الكتاب المبين: علم الله تعالى الذي يشبه المكتوب في الصحف بثباته وعدم تغيره.

واتفق (٢) علماء التفسير بالمأثور على تفسير الكتاب المبين وأم الكتاب والذكر في نحو ما تقدم من الآيات والأحاديث باللوح المحفوظ، وهو شيء أخبر الله به، وأنه أودعه كتابه ولم يعرفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن بأنه شيء موجود، وأن الله قد حفظ كتابه فيه، وأما دعوى أنه جرم مخصوص في سماء معينة .. فمما لم يثبت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بالتواتر، فلا ينبغي أن يدخل في باب العقائد لدى المؤمنين.

وروي عن الحسن: أن حكمة كتابة الله لمقادير الخلق تنبيه المكلفين إلى عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب. وزاد بعضهم حكمتين أخريين:


(١) المراغي.
(٢) المراغي.