للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ} مفعوله (١) محذوف، تقديره: أي: ولو أراد الله سبحانه أن يذهب الأسماع التي في الرأس، والأبصار التي في العين، كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصارها {لَذَهَبَ}؛ أي: لأذهب سبحانه {بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ}؛ أي: لأذهب الأسماع بصوت الرعد، والأبصار بنور البرق عقوبة لهم؛ لأنّه لا يعجز عن ذلك؛ أي: لزاد في قصف الرعد، فأصمّهم، وأذهب أسماعهم، ولزاد في ضوء البرق فأعماهم، وأذهب بأبصارهم، لكنّه لم يشأ؛ لحكم ومصالح هو بها عليم.

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه وأراده؛ أي: على كلّ موجود بالإمكان، والله تعالى وإن كان يطلق عليه الشيء، لكنه موجود بالوجوب دون الإمكان، فلا يشكّ العاقل، أنّ المراد من الشيء في أمثال هذا الموضع ما سواه تعالى، فالله تعالى مستثنى في الآية مما يتناوله لفظ الشيء بدلالة العقل، فالمعنى: على كلّ شيء سواه قدير، كما يقال: فلان أمين، على معنى: أمين على من سواه من الناس، ولا يدخل فيه نفسه، وإن كان من جملتهم، كما في «حواشي ابن التمجيد». {قَدِيرٌ}؛ أي: فاعل له على قدر ما تقتضيه حكمته لا ناقصا ولا زائدا؛ أي: قادر على إيجاده وإعدامه لا منازع له فيه، ومنه إذهاب أسماعهم وأبصارهم. قال ابن جرير: وإنّما وصف تعالى نفسه بالقدرة على كلّ شيء في هذا الموضع؛ لأنّه حذّر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنّه محيط بهم، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قادر. اه.

وقرأ ابن أبي عبلة (٢): {لأذهب بأسماعهم وأبصارهم}، فالباء زائدة، التقدير: لأذهب أسماعهم وأبصارهم.

ثمّ اعلم (٣): أنّ هذا التمثيل كشف بعد كشف، وإيضاح بعد إيضاح، أبلغ


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.