للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويضل عنكم ما كنتم تزعمون من دونه، ونحو الآية قوله: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

١٦٥ - {وَهُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي جَعَلَكُمْ} يا أمة محمد {خَلائِفَ} في {الْأَرْضِ} عن الأمم الماضية والقرون السالفة يخلف بعضكم عن بعض. وقال الطبري: أي (١) استخلفكم بعد أن أهلك من كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، فجعلكم خلائف منهم في الأرض تخلفونهم فيها أو (٢) إنكم خلفاء الله في أرضه تتصرفون فيها، على أن الخطاب عام للنوع الإنساني {وَ} هو الذي {رَفَعَ بَعْضَكُمْ}؛ أي: الحسن والغني والشريف والعالم والقوي مثلا {فَوْقَ بَعْضٍ} آخر؛ أي: فوق القبيح والفقير والوضيع والجاهل والضعيف مثلا {دَرَجاتٍ}؛ أي: في الجمال والمال، والشرف والعلم والقوة مثلا. وقال ابن كثير: أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوي، والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك، انتهى. وقال في «الخازن» والمعنى: خالف بين أحوال عباده، فجعل بعضهم فوق بعض في الخلق والرزق والشرف والعقل والقوة، وهذا التفاوت بين الخلق في الدرجات ليس لأجل العجز عن التسوية، أو الجهل، أو البخل، فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص، وإنما هو لأجل الابتلاء والامتحان كما ذكره بقوله: {لِيَبْلُوَكُمْ كان}؛ أي: ليختبركم {فِي ما آتاكُمْ}؛ أي: فيما أعطاكم من نعمة المال والجاه والقوة، هل تشكرون عليها فلكم الثواب والزيادة، أو تكفرون فلكم العقاب والحرمان، ولينظر كيف يصنع الشريف بالوضيع، والغني بالفقير، والمالك بالمملوك، وليختبر الفقير والوضيع والمملوك هل يصبرون أم لا؟ {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {سَرِيعُ الْعِقابِ} لمن عصاه وكفر بنعمته، ووصف العقاب بالسرعة؛ لأن ما هو آت قريب، أو سريع عند إرادته تعالى، والمعنى: سريع العقاب إذا جاء وقته فلا يرد، كيف قال: سَرِيعُ الْعِقابِ مع أنه حليم، والحليم هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه وَإِنَّهُ سبحانه وتعالى {لَغَفُورٌ} لمن آمن به {رَحِيمٌ} لمن قام بشكرها.


(١) الطبري.
(٢) البيضاوي.