للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا} والفاء فيه إما تفريعية، أو فصيحية؛ أي: إذا عرفتم أنّه خالق السموات والأرض وما فيهما، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم، فأقول لكم: لا تجعلوا لله سبحانه وتعالى أندادا؛ أي: شركاء وأشباها من الأصنام، وغيرها تشركونها مع الله تعالى في العبادة. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أي:

والحال أنكم تعلمون أنّها لا تخلق شيئا، ولا ترزق أحدا، وأنّ الله هو الخالق الرازق. أو تعلمون أنّه ليس في التوراة والإنجيل جواز اتخاذ الأنداد. والأنداد: جمع ندّ، وهو المثل؛ أي: لا تجعلوا له أمثالا تعبدونهم كعبادة الله؛ يعني: لا تقولوا له شركاء تعبد معه. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - (لا تقولوا لولا فلان لأصابني كذا، ولولا كلبنا يصيح على الباب لسرق متاعنا)، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إيّاكم ولو فإنّه من كلام المنافقين» قالوا: {لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا}.

وفي «الصحيحين» عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل الله ندّا وهو خلقك» الحديث، وكذا حديث معاذ «أتدري ما حقّ الله على عباده؟ حقّ الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا» الحديث.

قال البيضاويّ: واعلم أنّ مضمون الآيتين: هو الأمر بعبادة الله وتوحيده، والنهي عن الإشراك به، والإشارة إلى ما هو العلّة والمقتضي لذلك. انتهى.

وفي «المراغي»: الأنداد (١): هم الذين خضع الناس لهم، وقصدوهم في قضاء حاجاتهم، وكان مشركوا العرب يسمّون ذلك الخضوع عبادة، إذ لم يكن عندهم شرع ينهاهم عن عبادة غير الله تعالى، وأهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أندادا وأربابا، كانوا يتحاشون هذا اللفظ، فلا يسمّون ذلك الاتخاذ عبادة، ولا أولئك المعظّمين آلهة وأندادا، بل يسمّون دعاءهم غير

الله، والتقرب إليه توسّلا واستشفاعا، ويسمّون تشريعهم لهم بعض العبادات، وتحليل


(١) المراغي.