للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والضمير في قوله: {مِنْ تَحْتِهَا} عائد إلى الجنات، ولكنه على تقدير مضاف؛ لاشتمالها على الأشجار؛ أي: من تحت أشجارها، كما مرّ آنفا.

فإن قلت (١): كيف جري الأنهار من تحتها؟

قلت: كما ترى الأشجار النابتة على شواطىء الأنهار الجارية. وعن مسروق: أنّ أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وهو الشقّ من الأرض بالاستطالة، وأنزه البساتين، وأكرمها منظرا، ما كانت أشجاره مظللة، والأنهار في خلالها مطّردة. ولولا أنّ الماء الجاري من النعمة العظمى، وأنّ الرياض وإن كانت أحسن شيء، لا تجلب النشاط حتى يجري فيها الماء، وإلّا كان السرور الأوفر مفقودا، وكانت كتماثيل لا أرواح لها، وصورا لا حياة لها، لما جاء الله بذكر الجنات ألبتة مشفوعا بذكر الأنهار الجارية من تحتها.

وقوله: {كُلَّما رُزِقُوا} وصف (٢) آخر للجنات، أو هو جملة مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنّ سائلا قال: كيف ثمارها؟. و {كُلَّما} ظرف زمان ضمّن معنى الشرط؛ أي: متى أطعموا {مِنْها}؛ أي: من تلك الجنات {مِنْ ثَمَرَةٍ}؛ أي: من أيّ ثمرة من أنواع ثمراتها. وليس المراد بالثمرة (٣): التفاحة الواحدة أو الرمّانة الفذّة، وإنما المراد: نوع من أنواع الثمرات. و {مِنْ} الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية، لأنّ الرزق قد ابتدىء من الجنات، والرزق من الجنّات قد ابتدىء من ثمرة. {رِزْقًا} مفعول رزقوا. والرزق: ما ينتفع به الحيوان طعاما.

{قالُوا}؛ أي: قال أصحاب الجنة للملائكة والولدان: {هذَا} الطعام الذي أتيتمونا به هو {الَّذِي رُزِقْنا} به {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: مثل الطعام الذي رزقنا به من قبل هذا في الدنيا، ولكن لمّا استحكم الشبه بينهما جعل ذاته ذاته.

وإنّما (٤) جعل ثمر الجنة كثمر الدنيا؛ لتميل النفس إليه حين تراه، فإنّ


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.