للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعبادات، وأنواع الأخلاق الحميدة، وشبه الكافر بالأرض الرديئة الغليظة البسخة التي لا ينتفع بها وإن أصابها المطر، فكذلك الكافر إذا سمع القرآن لا ينتفع به، ولا يصدقه، ولا يزيده إلا عتوا وكفرا، وإن عمل الكافر حسنة في الدنيا كانت بمشقة وكلفة ولا ينتفع بها في الآخرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول: هو طيب وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي خرجت منها البركة، فالكافر خبيث وعمله خبيث.

ويدل (١) على صحة هذا التأويل ما روى الشيخان والنسائي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب التي تشرب ولا تنبت، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان - أرض مستوية - لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القسم الأول؛ وهو الذي نفع وانتفع بالهادي المهتدي، وفسر القسم الثالث؛ وهو الذي لم ينفع ولم ينتفع بالجاحد، وسكت عن القسم الثاني؛ وهو الذي نفع غيره بعلمه، ولم ينتفع به هو؛ لأن له أحوالا كثيرة، فمنه المنافقون، ومنه المفرطون في دينهم، والمشاهدة تدل على أن الطيبي الأخلاق يفعلون الخير والبر بلا تكلف، وأن الخبيثين لا يفعلون الخير ولا يؤدون الواجب إلا نكدا بعد إلحاف أو إيذاء حين الطلب، أو إدلاء إلى الحكام.

وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر (٢): {يُخْرَجُ نَباتُهُ}: - مبنيا للمفعول -؛ أي: يخرجه البلد. وقرأ ابن القعقاع: نَكَدا - بفتح الكاف - قال


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.