للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنّما قص عليه أنباء أهل هذه القرى؛ لأنّهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النعم، فتوهموا أنّهم على الحق، فذكرها الله تعالى لقوم محمد صلى الله عليه وسلّم ليحترزوا عن مثل تلك الأعمال.

أي: نقص أنباءها عليك لتتسلى، وليحذر كفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصاب هذه القرى، والمضارع يحتمل أن يكون على معناه، والمعنى: نقص عليك فيما سيأتي مفترقا في السور، كما هو الواقع، فإنّ القرى المذكورة فيما سبق ستأتي قصصها في السور الآتية بأبسط مما ذكر هنا، ويحتمل أن يكون بمعنى الماضي، ويحتمل أن يكون بالمعنيين.

وقال المراغي: والحكمة في تخصصها بالذكر، أنّها كانت في بلاد العرب وما جاورها، وكان أهل مكة. وغيرهم ممن وجهت إليهم الدعوة أول الإسلام يتناقلون بعض أخبارها، وهي جميعا طبعت على غرار واحد في تكذيب الرسل، والمماراة فيما جاؤوا به من النذر، فحل بهم النكال بعذاب الاستئصال، فالعبرة في جميعها واحدة، ومن ثم فصلها في قصة موسى الآتية؛ لأنّ قومه آمنوا به، وإنّما كذب فرعون. انتهى.

واللام في قوله: {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} موطئة للقسم؛ أي: إنّ من أخبارهم - والله - لقد جاءتهم؛ أي: لقد جاءت كل أمة من تلك الأمم المهلكة أنبياءهم، الذين أرسلوا إليهم بالبينات؛ أي: المعجزات الواضحة، الدالة على صحة رسالتهم الموجبة للإيمان {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}؛ أي: فما كان أهل تلك القرى - بعد رؤية تلك المعجزات - ليؤمنوا بالشرائع التي كذبوها قبل رؤية تلك المعجزات، والمعنى (١): كانت كلّ أمة من تلك الأمم في زمن الجاهلية يتسامعون بكلمة التوحيد من بقايا من قبلهم فيكذبونها، ثم كانت حالهم بعد مجيء نبيهم الذي أرسل إليهم كحالتهم قبل ذلك، كأن لم يبعث إليهم أحد.


(١) المراح.