للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخوف، ولا يتعرض له، إلا أن قومه لم يعرفوا ذلك، فحملوه على أخذه وحبسه حين قالوا: {أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} قال فرعون مجيبا للملأ - لما لم يقدر على موسى أن يفعل معه مكروها لخوفه منه - {سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ}؛ أي: سنقتل أبناء بني إسرائيل تقتيلا كلما تناسلوا {وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ}؛ أي: ونستبقي نساءهم أحياء للخدمات كما كنا نفعل بهم قبل ولادته، حتى ينقرضوا ويعلموا أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة.

وقال ابن عباس (١): كان فرعون قد ترك القتل في بني إسرائيل بعد ما ولد موسى، فلما جاءه موسى بالرسالة - وكان من أمره ما كان - أعاد فيهم القتل، وقيل: لم يعد فيهم القتل بل وعده وهدده إياهم، وقرأ نافع وابن كثير {سَنُقَتِّلُ} بالتخفيف مع فتح النون وسكون القاف، وقرأ الباقون بالتشديد مع ضم النون {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ}؛ أي: فوق بني إسرائيل في المنزلة والتمكن في الدنيا؛ أي: مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان {قاهِرُونَ} لهم وغالبون عليهم، كما كنا من قبل فلا يقدرون على إذايتنا، ولا على الإفساد في أرضنا، ولا على الخروج من عبوديتنا، وإنما تركنا موسى وقومه بلا حبس لعدم التفاتنا إليهم، وعدم مبالاتنا لهم، لا لعجز ولا لخوف.

واختلف المفسرون (٢): هل أعاد عليهم القتل أم لا؟ فمنهم من قال: أعاد عليهم القتل، ومنهم من قال: لم يفعل ذلك لعدم قدرته لقوله تعالى: {أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ}.

١٢٨ - ولكن لما سمع بنو إسرائيل هذا الوعيد .. خافوا من فرعون، فشكوا ذلك إلى موسى، فطمأنهم موسى كما حكى الله عنه بقوله: {قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ}: بني إسرائيل يا قوم {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ}؛ أي: اطلبوا معونة الله وتأييده على رفع ذلك الوعيد عنكم، ورفع أذاهم عنكم؛ فإن الله هو الكافي لكم {وَاصْبِرُوا} على أذاهم، أو على ما سمعتم من أقاويله الباطلة، ولا تحزنوا {إِنَّ الْأَرْضَ}؛ أي: أرض مصر وكذا سائر أقطار الأرض، شرقها وغربها {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى


(١) الخازن.
(٢) المراح.