للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر، المعترفين بعظمتك وجلالك.

والخلاصة (١): أنّ موسى لما نال فضيلة التكليم بلا واسطة، فسمع من عالم الغيب ما لم يسمع من قبل، تاقت نفسه أن يمنحه الرب شرف رؤيته، فطلب ذلك منه، وهو يعلم أنّه ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته التي منها كلامه، ولكن الله تبارك وتعالى قال له: {لَنْ تَرانِي} ولكي يخفف عليه ألم الرد أراه بعينه من تجليه للجبل ما فهم منه أنّ المانع من جهته لا من جانب الفيض الإلهي، حينئذ نزه الله وسبّحه وتاب إليه من هذا الطلب، فبشره بأنّه اصطفاه على الناس برسالته وبكلامه، وأمره أن يأخذ ما أعطاه ويكون من الشاكرين له كما قال.

١٤٤ - {قالَ} الله سبحانه وتعالى: {يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} واخترتك وفضلتك {عَلَى النَّاسِ} المعاصرين لك من بني إسرائيل {بِرِسالاتِي}، قرأ نافع وابن كثير بالإفراد، وهو مراد به المصدر؛ أي: بإرسالي، أو يكون على حذف مضاف؛ أي: بتبليغ رسالتي؛ لأنّ مدلول الرسالة غير مدلول المصدر، وقرأ باقي السبعة بالجمع نظرا إلى أن الذي أرسل به ضروب وأنواع من الوحي {وَ} اصطفيتك {بِكَلامِي}؛ أي: بتكليمي لك بلا توسط ملك، وإن كان من وراء حجاب، وقد طلب موسى رفع هذا الحجاب لتحصل له الرؤيا مع الكلام، وقرأ الجمهور {وَبِكَلامِي} بالإفراد، على أنّه مصدر كما فسرنا، أو على أنّه على حذف مضاف؛ أي: وبسماع كلامي، وقرأ أبو رجاء {برسالتي وبكلمي} جمع كلمة؛ أي: وسماع كلمي، وقرأ الأعمش {برسالاتي وتكلمي} {فَخُذْ ما آتَيْتُكَ}؛ أي: فخذ ما أعطيتك من الشريعة، وهي التوراة {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}؛ أي: من جماعة الشاكرين لنعمتي عليك وعلى قومك بإقامتها بقوة وعزيمة، والعمل بها، وأداء حقوق نعمي جميعها عليك، تنل المزيد من فضلي {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.


(١) المراغي.