للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعبرة في هذه القصص (١): أن نعلم أنّ الله يعاقب الأمم على ذنوبها في الدنيا قبل أن يعذبها في الأخرة، وأنّ نبتعد بقدر الطاقة عن الظلم والفسق، فقد عاقب الله بني إسرائيل بظلمهم، ولم يحل دون عقابه ما كان لهم من فضائل ومزايا، ككثرة الأنبياء فيهم، وتفضيلهم على العالمين كما تقدم.

١٦٣ - وقوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ} (٢) معطوف على عامل إذ المقدر؛ أي: واذكر لهم يا محمد إذ قيل لهم {وَسْئَلْهُمْ} وهذا سؤال توبيخ وتقريع؛ أي: اسألهم عن هذا الحادث الذي حدث لهم فيها، المخالف لما أمرهم الله به وقرىء {وسلهم}.

وقد ذكرت (٣) هذه القصة في سورة البقرة إجمالا، وههنا ذكرت تفصيلا، إذ كانت سورة الأعراف نزلت بمكة في أوائل الإسلام، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم لقي أحدا من اليهود، وقد كان أميا لا يقرأ كتابا كما قال تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} فكان ذلك أدل على الإعجاز.

والخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلّم، والسؤال للتقرير المتضمن للتقريع والتوبيخ، وبيان أن كفر أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلّم وبمعجزاته ليس بدعا جديدا منهم، فإنّ أسلافهم أقدموا على هذا الذنب القبيح، والمعصية الفاحشة، واعتدوا هذا الاعتداء الشائن الذي قص خبره.

والمعنى: واسأل يا محمد اليهود المعاصرين لك سؤال تقريع عن خبر أهل المدينة التي كانت قريبة من بحر القلزم - وهي أيلة قرية بين مدين والطور - وقيل: هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا، وتقدم لك في أسباب النزول: أن اليهود قالوا: لم يصدر من بني إسرائيل عصيان ولا مخالفة للرب، فأمره الله


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.