للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي ذلك (١) دلالة على أن الذين كانوا يعدون في السبت بعض أهل القرية لا جميعهم، وإنّ أهلها كانوا فرقا ثلاثا:

فرقة العادين في السبت التي أشير إليها في الآية الأولى.

وفرقة الواعظين لهؤلاء العادين، لينتهوا عن عدوانهم ويكفوا عنه.

وفرقة اللائمين للواعظين التي قالت لهم: لم تعظون قوما قضى الله عليهم بالهلاك بالاستئصال، أو بعذاب شديد دون الاستئصال، أو المراد: مهلكهم في الدنيا، ومعذبهم في الآخرة، والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع.

{قالُوا}؛ أي: قال الواعظون للائمين لهم: نعظهم {مَعْذِرَةً}؛ أي: موعظة اعتذار نعتذر بها {إِلى رَبِّكُمْ} عن السكوت على المنكر، فإذا طولبنا بإقامة فريضة النهي عن المنكر .. قلنا قد فعلنا، فنكون بذلك معذورين {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}؛ أي: ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة، ويتركوا الصيد في السبت، فهو معطوف على معنى معذرة؛ أي: وعظناهم للاعتذار إلى ربكم، ولرجاء أن ينتفعوا بالموعظة، فيحملهم ذلك على اتقاء الاعتداء الذي اقترفوه، إذ نحن لم نيأس من رجوعهم إلى الحق كما أنتم منهم يائسون، وقرأ الجمهور (٢): {معذرة} بالرفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: موعظتنا معذرة؛ أي: موعظتنا إقامة عذر إلى الله، ولئلا ننسب في النهي عن المنكر إلى بعض التقصير، ولطمعنا في أن يتقوا المعاصي، وقرأ حفص عن عاصم وزيد بن علي وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف {مَعْذِرَةً} - بالنصب - على أنّه مفعول لأجله؛ أي: وعظناهم لأجل المعذرة، وللرجاء في اتقائهم المعاصي.

١٦٥ - {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ}؛ أي: فلما ترك العادون ما وعظوا به، وأعرضوا عنه، حتى صار كالمنسي عنه، بحيث لا يخظر ببالهم شيء من تلك المواعظ أصلا، {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ}؛ أي: عن العمل السيء الذي هو أخذ الحيتان في يوم السبت، وهم الفريقان الآخران {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أنفسهم بأخذ


(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.