للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يفيدهم ذلك معرفة بالله تعالى، ولا مراقبة له؛ لأنّ ذلك أصبح عادة لهم، تصحبها عادات أخرى منكرة، ومن ثم كان الواجب الجمع بين ذكر القلب وذكر اللسان.

والمعنى: واذكر ربك أيها الملكف بأي (١) نوع من أنواع الذكر، من قرآن وتهليل وتحميد وتكبير وتسبيح ودعاء، وغير ذلك، سرا في نفسك إن لم يلزم عليه الكسل، وإلا جهرا وذكرا وسطا دون الجهر، وفوق السر {بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}؛ أي: في البكر والعشايا وما بينهما من جميع الأوقات، وقرأ أبو مجلز {والإيصال} جعله مصدرا لقولهم: أصلت؛ أي: دخلت في وقت الأصيل، والغدو جمع غدوة، وهي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والآصال جمع أصيل، وهو من العصر إلى الغروب، وإنّما خص هذين الوقتين بالذكر؛ لأن الإنسان يقوم من النوم عند الغداة، فطلب أن يكون أول صحيفته ذكر الله تعالى، وأما وقت الآصال فلأن الإنسان يستقبل النوم - وهو أخو الموت - فينبغي له أن يشغله بالذكر، خيفة أن يموت في نومه، فيبعث على ما مات عليه، وقيل: إن الأعمال تصعد في هذين الوقتين، وقيل: لكراهة النفل في هذين الوقتين، فطلب بالذكر فيهما، لئلا يضيع على الإنسان وقته، ولأن من افتتح نهاره بذكر الله، واختتمه به، كان جديرا بأن يراقب الله ولا ينساه فيما بينهما، {وَلا تَكُنْ} أيها المكلف {مِنَ الْغافِلِينَ} عن ذكر الله تعالى، بل أشعر قلبك الخضوع له والخوف من قدرته عليك، إذا أنت غفلت عن ذلك، ومن غفل عن ذكره تعالى مرض قلبه، وضعف إيمانه، واستحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكره.

٢٠٦ - ثم ختم (٢) سبحانه هذه الآيات بما يؤكد الأمر والنهي السابقين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يا محمد؛ أي: إن ملائكة الرحمن المقربين عنده {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ} سبحانه وتعالى كما يستكبر عنها هؤلاء المشركون، بل يؤدونها حسب ما أمروا به {وَيُسَبِّحُونَهُ}؛ أي: ينزهون الله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق


(١) الصاوي.
(٢) المراغي.