للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: {أَنْبِئْهُمْ} (١) دون أنبئني؛ للإشارة إلى أنّ علمه عليه السلام بها ظاهر، لا يحتاج إلى ما يجري مجرى الامتحان، وإلى أنه جدير أن يعلّم غيره، فتكون له منّة المعلّم المفيد، ولهم مقام المتعلم المستفيد؛ ولئلا تستولي عليه الهيبة، فإنّ إنباء العالم ليس كإنباء غيره. وقرأ الجمهور {أَنْبِئْهُمْ} بالهمز وضم الهاء، وهذا هو الأصل، كما تقول: أكرمهم. وروي عن ابن عباس {أَنْبِئْهُمْ} بالهمز وكسر الهاء، ووجهه: أنه أتبع حركة الهاء لحركة الباء، ولم يعتدّ بالهمزة؛ لأنها ساكنة، فهي حاجز غير حصين وقرأ الحسن، والأعرج، وابن كثير، من طريق الغواس {أنبهم} على وزن أعطهم. قال ابن جني: وهذا على إبدال الهمزة ياء على أنه تقول: أنبيت، كأعطيت، قال: وهذا ضعيف في اللغة؛ لأنه بدل لا تخفيف، والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. انتهى. كلام أبي الفتح.

ذكره أبو حيان في «البحر المحيط».

{فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ} أي أنبأ آدم الملائكة {بِأَسْمائِهِمْ}؛ أي: بأسماء تلك المسميات مفصلة، وبين لهم أحوال كل منها، وخواصّه، وأحكامه. روي (٢) أنه رفع على منبر، وأمر أن ينبىء الملائكة بالأسماء، فلما أنبائهم بها وهم جلوس بين يديه، وذكر منفعة كل شيء {قالَ} الله سبحانه وتعالى، للملائكة توبيخا لهم وتقريرا منهم {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} يا ملائكتي، والاستفهام للتقرير مع التوبيخ؛ أي: قد قلت لكم: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: أعلم ما غاب فيهما عنكم ممّا كان ومما يكون، مما لا دليل عليه، ولا طريق إليه، وقيل: غيب السموات أكل آدم وحواء من الشجرة؛ لأنها أوّل معصية وقعت في السماء، وغيب الأرض قتل قابيل هابيل؛ لأنها أوّل معصية كانت في الأرض، وقيل غير ذلك. وذلك أنه سبحانه وتعالى، علم أحوال آدم قبل أن يخلقه، فلهذا قال لهم أعلم ما لا تعلمون {وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ}؛ أي: ما تظهرون من قولكم: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.