للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقوله صلّى الله عليه وسلّم لسلمان الفارسي، حين أراد أن يسجد له صلّى الله عليه وسلّم أوّل ما قدم على عادة ملوكهم: «لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا الله تعالى، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» فتحية هذه الأمة هي السلام، لكن يكره الإنحناء؛ لأنه يشبه فعل اليهود، كما في «الدرر».

وكان هذا القول الكريم بعد إنبائهم بالأسماء (١). قيل: لما خلق آدم، أشكل عليهم أن آدم أعلم أم هم، فلما سألهم عن الأسماء فلم يعرفوا، وسأل آدم فأخبر بها، ظهر لهم أن آدم أعلم منهم، ثم أشكل عليهم أنه أفضل أم هم، فلما أمرهم بالسجود له، ظهر لهم فضله، ومن لطف الله تعالى بنا، أن أمر الملائكة بالسجود لأبينا، ونهانا عن السجود لغيره، فقال: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} نقل الملائكة المقربين إلى آدم وسجدته، ونقلنا إلى سجدته وخدمته.

وفائدة هذه السجدة راجعة إلى الإنسان لمعنيين:

أحدهما: أنّ الإنسان يقتدي بهم في الطاعة، ويتأدّب بآدابهم في امتثال الأوامر، وينزجر عن الإباء والاستكبار، كيلا يلحق به الطرد واللعن، كما لحق بإبليس، ويكون مقبولا ممدوحا مكرما، كما كان الملائكة في امتثال الأمر، كما قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}.

وثانيهما: أن الله تعالى من كمال فضله ورحمته مع الإنسان، جعل همة الملائكة في الطاعة، والتسبيح، والتحميد مقصورة على استعداد المغفرة للإنسان، كما قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} فلذلك أمرهم بالسجود لأجلهم، وليستغفروا لهم.

واعلم: أن (٢) الملائكة من عالم الغيب لا نعرف حقيقتهم، والكتاب الكريم يرشد إلى أنهم أصناف لكل صنف عمل، وقد جاء في لسان الشرع إسناد إلهام


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.