للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنت في وادٍ كثير الحطب، فأضرمه عليهم نارًا، فقال العباس - وهو يسمع ما يقول - أقطعت رحمك؟ فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد عليهم شيئًا، فقال أناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناسٌ: يأخذ بقول عمر: وقال أناس: يأخذ: بقول عبد الله بن رواحة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنَّ الله ليلين قلوب رجالٍ حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله سبحانه ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام، قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)}، ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام؛ إذ قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}، وإنَّ مثلك يا عمر مثل نوح عليه السلام قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}. أنتم عالةٌ، فلا يفلتن أحدٌ إلا بفداء أو ضرب عنق" فقال عبد الله رضي الله عنه: يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء؛ فإني سمعته يذكر الإِسلام، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليَّ الحجارة منى في ذلك اليوم حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا سهيل بن بيضاء" فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ...} إلى آخر الآيتين.

وروى (١) أحمد من حديث ابن عباس قال: لما أسروا الأسارى - يعني يوم بدر - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون قوةً لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ "، قال: لا والله، لا أرى الذي رأى أبو بكر، ولكنني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل - أخيه - فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان - نسيبٌ لعمر -، فأضرب عنقه، ومكن فلانًا من فلان قرابته، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان الغد .. جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدان يبكيان،


(١) المراغي.