للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جماعة من المؤمنين كرهًا لقتال من بقي من المشركين بعد فتح مكة وظهور الإِسلام، لأمنهم من ظهورهم عليهم، ورجائهم في إيمانهم، وعلم أنه يوجد من المنافقين من يزينون لهم ذلك، والله يريد أن تطهير جزيرة العرب من الشرك وأدران الوثنية، ويمحص المؤمنين من النفاق ومثالبه، من جراء هذا أعاد الكرَّة بإقامة الأدلة على وجوب قتال الناكثين للعهد، المعتدين عليهم بالحرب، الذين بدؤوهم بالقتال وهموا بإخراج الرسول أو حبسه أو قتله.

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر البراءة من المشركين وأنواعًا من قبائحهم توجب البراءة منهم .. ذكروا أنهم موصوفون بصفاتٍ حميدةٍ توجب انتفاء البراءة منها، كونهم عامري المسجد الحرام، روي أنه أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر يعيرونهم بالشرك، وطفق عليٌّ يوبخ العباس، فقال: الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول، فقال العباس: تظهرون مساوينا وتكتمون محاسننا، فقال: أو لكم محاسن، قالوا: نعم، ونحن أفضل منكم أجرًا، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردًّا عليهم.

قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنها مكملة (٢) لما قبلها، مبينة أنَّ عمارة المسجد الحرام للمسلمين دون المشركين، وأن إسلامهم أفضل مما كان يفخر به المشركون، من عمارة المسجد وسقاية الحاج فيه.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لمَّا أعلن براءته وبراءة رسوله من المشركين، وآذنهم بنبذ عهودهم، بعد أن ثبت أنه لا عهد لهم .. عَزَّ ذلك على بعض المسلمين، وتبرَّم به ضعفاء الإيمان, وكان أكثرهم من الطلقاء الذين أعتقهم


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.