للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمرهم به أمرًا صريحًا مع وعده لهم بالنصر وإظهار المؤمنين عليهم، وهذه العدة من أخبار الغيب في وقعةٍ معينة،

١٤ - وقد صدق الله وعده فقال: {قَاتِلُوهُمْ}؛ أي: قاتلوا أيها المؤمنون المشركين الذين نقضوا العهد وبدؤوا بالقتال، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بقتال من قاتلهم أو نقض عهدهم؛ أي: قاتلوهم كما أمرتكم، فإنكم إن فعلتم ذلك .. {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِأَيْدِيكُمْ}؛ أي: يقتلهم بسيوفكم ورماحكم وسلاحكم، والمراد بالتعذيب هنا: القتل.

فإن قلت (١): كيف الجمع بين قوله: هنا {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} وبين قوله: في الأنفال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}؟

قلت: المراد بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} عذاب الاستئصال، يعني وما كان الله ليستأصلهم بالعذاب جميعًا وأنت فيهم، وبالعذاب هنا قتل من نقض العهد، والفرق بين العذابين: أن عذاب الاستئصال يتعدى إلى المذنب وغير المذنب، وإلى المخالف والموافق، وعذاب القتل لا يتعدى إلا إلى المذنب المخالف. {وَيُخْزِهِمْ}؛ أي: يذلهم بالقهر والأسر وينزل بهم الذل والهوان {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ}؛ أي: يبرىءُ داء قلوب طائفة {مُؤْمِنِينَ} مما أصابهم من أذى المشركين، ومن المعلوم أن من طال تأذيه من خصمه ثم مكنه الله منه .. فإنه يشفى ويفرح بذلك، ويعظم سروره ويصير ذلك سببًا لقوة اليقين وثبات العزية، قال مجاهد والسدي: أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يومئذٍ في خزاعة مؤمنون كثير، حيث أعانت قريش بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى قتلوا منهم،

١٥ - ثم شفى الله صدور خزاعة من بني بكر، حين أخذ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثأرهم منهم يوم فتح مكة {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}؛ أي: يذهب الله سبحانه وتعالى وجد قلوب طائفة من المؤمنين المذكورين وحزنها بما ناله من بني بكر من الفتك، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة: "ارفعوا السيف إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر" ذكره البغوي بغير سند.


(١) الخازن.