للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن النهي كان على جهة الوجوب لا على جهة الندب؛ لأن تاركه لا يسمى ظالما.

وقال بعض أهل الإشارات (١): الذي يليق بالخلق عدم السكون إلى الخلق، وما زال آدم وحده بكل خير وبكل عافية، فلما جاءه الشّكل والزوج، ظهر إتيان الفتنة وافتتاح باب المحنة، وحين ساكن حواء، أطاعها فيما أشارت عليه من الأكل، فوقع فيما وقع ولقد قيل:

داء قديم في بني آدم ... صبوة إنسان بإنسان

قال القشيري: نبه سبحانه، على أن عاقبة دخول آدم الجنة خروجه منها بارتكاب الخطيئة بقوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فإذا أخبر سبحانه بجعله خليفة في الأرض، فكيف يمكن بقاؤه في الجنة. كان آدم لا يساويه أحد في الرتبة، يتوالى عليه النداء بيا آدم، ويا آدم، فأمسى وقد نزع عنه لباسه، وسلب استئناسه، والقدرة لا تكابر، وحكم الله لا يعارض، وقال الشاعر:

لله درّهم من فتية بكروا ... مثل الملوك وراحوا كالمساكين

تتمة (٢): واختلفت آراء العلماء في الجنة المرادة هنا: فمن قائل: إنها دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، لسبق ذكرها في هذه السورة، وفي ظواهر السنة ما يدل عليه، فهي إذا في السماء حيث شاء الله منها. ومن قائل: إنها جنة أخرى، خلقها الله تعالى امتحانا لآدم عليه السلام، وكانت بستانا في الأرض بين فارس وكرمان، وقيل: بفلسطين، وليست هي الجنة المعروفة، وعلى هذا جرى أبو حنيفة، وتبعه أبو منصور الماتريدي في تفسيره المسمى «بالتأويلات»، فقال: نحن نعتقد أن هذه الجنة بستان من البساتين، أو غيضة عن الغياض، كان آدم وزوجه منعمين فيها، وليس علينا تعيينها، ولا البحث عن مكانها، وهذا هو مذهب السلف، ولا دليل لمن خاض في تعيين مكانها من أهل


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.