للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمصلحة للمؤمنين في ترك ولاية أولي القربى من الكافرين، وفي إيثار حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والجهاد في سبيله على حب أولى القربى والعشيرة والمال والسكن ونحوها، مما يحب .. أبان فيها أن نصر الله للمؤمنين في المواطن الكثيرة، لم يكن بقوة العصبية، ولا بقوة المال، ولا بما يشترى به من الزاد والعتاد، بل كان بفضل الله عليهم بهذا الرسول، الذي جاءهم بذلك الدين القويم، وإن هزيمتهم وتوليهم يوم حنين، كان ابتلاءً لهم على عجبهم بكثرتهم، ورضاهم عنها، ونصرهم من بعد ذلك كان بعناية خاصة من لدنه، ليتذكروا أن عنايته تعالى للمؤمنين بالقوة المعنوية، لا بالكثرة العددية وما يتعلق بها. وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما قدم قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} واستطرد بعد ذلك بما استطرد ذكرهم تعالى نصره إياهم في مواطن كثيرة. انتهى.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما أمر (٢) النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر حين أمَّره على الحج سنة تسع من الهجرة أن يبلغ الناس، أنه لا يحج بعد هذا العام مشركٌ، ثم أمر عليًّا أن يتبع أبا بكر، فيقرأ على الناس أول سورة براءة يوم الحج الأكبر وينبذ إليهم عهدهم، وأن الله بريءٌ من المشركين ورسوله .. قال الناس: يا أهل مكة، ستعلمون ما تلقون من الشدة، لانقطاع السبل، وفقد الحمولات، فنزلت هذه الآية لدفع تلك الشبهة، فقال سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} قال ابن عباس: كان المشركون يجيؤون إلى البيت. ويجيؤون معهم بالطعام، يتجرون فيه، فلما نهوا أن يأتوا البيت .. قال المسلمون: فمن أين لنا الطعام؟ فأنزل الله {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ...} الآية، قال: فأنزل الله عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم، وأسلم أهل اليمن، وجاءهم الناس من كل فج.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.