للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعده، فأرسل الله تعالى عليهم السماء مدرارًا أغزر بها خيرهم، وأكثر ميرهم، وأسلم أهل جدة وحنين وأهل اليمن وصنعاء وتبالة، وصاروا يجلبون الطعام لأهل مكة، وأسلم أولئك المشركون، ولم يبق أحد منهم يمنع من الحرم، ثم جاءتهم الثروة من كل جانب، بما فتح الله عليهم من البلاد، فكثرت الغنائم، وتوجه إليهم الناس من كل فجٍّ، ومهد الله لهم سبل الرزق، من إمارة وتجارة وزراعة وصناعة، وكان نصيب مكة من ذلك عظيمًا بكثرة الحاج، وأمن طرق التجارة.

وقيد (١) هذا الغني بمشيئته التي لا يشك مؤمن في حصول ما تتعلق به، لتقوية إيمانهم بربهم واتكالهم عليه دون كسبهم وحده، وإن كانوا مأمورين به، لأنه من سننه في خلقه، ولكن لا يجوز أن ينسوا توفيقه وتأييده لهم، فهو الذي نصرهم وأغناهم، وسيزيدهم نصرًا وغنًى.

وقال أبو حيان (٢): وعلق بالمشيئة، لأنه يقع في حق بعض دون بعض، وفي وقت دون وقت. وقيل: لإجراء الحكم على الحكمة، فإن اقتضت الحكمة والمصلحة إغناءكم .. أغناكم، وقال القرطبي: إعلامًا بأن الرزق لا يأتي بحيلة ولا اجتهاد، وإنما هو فضل الله. ويروى للشافعي:

لَوْ كَانَ بِالْحِيَلِ الْغِنَى لَوَجَدْتَنِيْ ... بِنُجُوْمِ أقْطَارِ السَّمَاءِ تَعَلُّقِيْ

لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الْحِجَا حُرِمَ الْغِنَى ... ضِدَّانِ مَفْتَرِقَانِ أَيَّ تَفَرُّقِ

وَمِنَ الدَّلِيْلِ عَلَى الْقَضَاءِ وُكَوْنِهِ ... بُؤْسُ اللَّبِيْبِ وَطِيْبُ عَيْشِ الأَحْمَقِ

وقرأ ابن مسعود وعلقمة من أصحابه: {عائلة}، وهو مصدر كالعاقبة، والعافية والقابلة أو نعت لمحذوف؛ أي: حالًا عائلة. وقيل: معناه: خصلةً شاقةً {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ} بما يكون من مستقبل أمركم في الغنى والفقر، عليم بأحوالكم وبمصالحكم {حَكِيمٌ} فيما دبره لكم، فلا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب، وحكيم فيما يشرعه لكم، من أمرٍ ونهي، كأمركم بقتال


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.