للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ردَّ الله شبهته وشبهة من وافقه عليها، بقوله: {أَلَا}؛ أي: انتبهوا أيها المخاطبون {فِي الْفِتْنَةِ} العظيمة، وهي فتنة التخلف عن الجهاد، والاعتذار الباطل، {سَقَطُوا}؛ أي: وقعوا.

والمعنى (١): أنهم ظنوا أنهم بالخروج أو بترك الإذن لهم يقعون في الفتنة، وهم بهذا التخلف سقطوا في الفتنة العظيمة، فإن أعظم أنواع الفتن الكفر بالله ورسوله، والتمرد عن قبول التكليف؛ أي (٢): فليعلموا أنهم بمقالتهم هذه سقطوا، وتردوا في هاوية الفتنة، حيث اعتذروا بالمعاذير الكاذبة، من حيث يزعمون إتقاء التعرض للإثم، ثم بالنظر إلى جمال نساء الروم، وشغل القلب بمحاسنهم، وفي التعبير (٣) بالسقوط ما يشعر بأنهم وقعوا فيها وقوع من يهوي من أعلى إلى أسفل، وذلك أشد من مجرد الدخول في الفتنة.

وقرا ورشٌ (٤): بتخفيف همزة {ائْذَن ليِ} بإبدالها واوًا لضمة ما قبلها، وقال النحاس ما معناه: إذا دخلت الواو أو الفاء على إئذن، فهجاؤها في الخط ألف وذال، ونون بغير ياء، أو ثم فالهجاء ألف وياء وذال ونون، والفرق: أن ثم يوقف عليها، وتنفصل بخلافهما، وقرأ عيسى بن عمرو {ولا تُفتني} بضم التاء الأولى من أفتن، الرباعي، قال أبو حاتم: هي: لغة تميم، وهي أيضًا قراءة ابن السميقع، ونسبها ابن مجاهد إلى إسماعيل المكي، وجمع الشاعر بين اللغتين فقال:

لَئِنْ فَتَنَتْنِي فَهِيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيْدا فأَمْسَى قَدْ قَلَا كُلَّ مُسْلِمِ

وقرىء (٥): {سقط}؛ أي: مراعة للفظ من.

ثم توعدهم على ذلك، فقال: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}؛ أي: مشتملة عليهم من جميع الجوانب، لا يجدون عنها مخلصًا، ولا يتمكنون من


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
(٥) أبو السعود.