للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلطيفه وأدبه - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان لا يواجه أحدًا بما يكره، وبمعاملته إياهم كما يعامل أمثالهم من عامة أصحابه.

وعدى (١) فعل الإيمان بالباء إلى الله؛ لأنه قصد به التصديق بالله، الذي هو ضد الكفر به، وإلى المؤمنين باللام؛ لأنه قصد به السماع من المؤمنين أخبارهم، وأن يسلم لهم ما يقولونه، ويصدقه لكونهم صادقين عنده، ألا ترى إلى قوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} كيف ينبىء عن الباء.

{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}؛ أي: وهو - صلى الله عليه وسلم - رحمة للذين آمنوا إيمانًا صحيحًا صادقًا، إذ كان سبب هدايتهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، لا لمن أظهر الإسلام وأسر الكفر نفاقًا، إذ هو نقمة عليه في الدارين.

وإنما قال منكم (٢)؛ لأن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، فبيَّن الله سبحانه وتعالى كذبهم بقوله: إنه رحمة للمؤمنين المخلصين، لا للمنافقين، وقيل: في كونه - صلى الله عليه وسلم - رحمةً؛ لأنه يجري أحكام الناس على الظاهر، ولا ينقب عن أحوالهم، ولا يهتك أسرارهم.

وقرأ الجمهور (٣): {وَرَحْمَةٌ} بالرفع عطفًا على {أُذُنٌ}، والمعنى عليه: هو أنه أذن خيرٍ، وأنه هو رحمة للمؤمنين، وقرأ حمزة وأبي وعبد الله والأعمش: {ورحمةٍ} بالجر عطفًا على {خيرٍ}، والمعنى عليه: إنه أذن خير، وأذن رحمةٍ فالجملة من يؤمن ويؤمن اعتراضٌ بين المتعاطفين، قال النحاس: وهذا عند أهل العربية بعيدٌ، يعني قراءة الجر؛ لأنه قد تباعد بين الاسمين، وهذا يقبح في المخفوض اهـ وقرأ ابن أبي عبلة: {رحمةً} بالنصب على أنه مفعول لأجله، لفعل محذوف دلَّ عليه أذن خير؛ أي: يأذن لكم ويستمع رحمةً لكم، فحذف

لدلالة أذن خير لكم عليه.


(١) النسفي.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.