للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ} - صلى الله عليه وسلم -، بالقول، أو بالفعل {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: وجيع شديد الإيلام في الدنيا والآخرة، وأبرز (١) اسم الرسول ولم يأت به ضميرًا على نسق يؤمن بلفظ الرسول تعظيمًا لشأنه، وجمعًا له في الآية بين الرتبتين العظيمتين، من النبوة والرسالة، وإضافته زيادة في تشريفه، وحتَّم على من آذاه بالعذاب الأليم، وحقَّ لهم ذلك {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ} عام، يندرج فيه هؤلاء الذين آذوه هذا الإيذاء، وغيرهم.

وفي هذه الآية (٢)، وما في معناها: دليلٌ على أن إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفرٌ إذا كان فيما يتعلق برسالته؛ لأن ذلك ينافي الإيمان، وأما إيذاؤه في شؤونه البشرية، والعادات الدنيوية، فحرام لا كفر، كإيذاء الذين كانوا يطيلون الجلوس في بيوته لدى نسائه بعد الطعام، وفيهم نزل {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} وإيذاء الذين كانوا يرفعون أصواتهم في ندائه ويسمونه باسمه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} وإيذاؤه (٣) في بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، كإيذائه في حال حياته، كالخوض في أبويه، وآل بيته بما يعلم أنه يؤذيه لو كان حيًّا، فالإيمان به - صلى الله عليه وسلم - مانعٌ من تصدي المؤمن لما يعلم أو يظن أنه يؤذيه صلوات الله وسلامه عليه إيذاءً ما، فهذا الذنب من أكبر الذنوب، ومعصيةٌ من أعظم المعاصي.

٦٢ - {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}؛ أي: يحلف المنافقون ويقسمون باللهِ {لَكُمْ} أيها المؤمنون على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم، من طعن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وطعن المؤمنين {لِيُرْضُوكُمْ} أيها المؤمنون، بالأيمان الكاذبة، وذلك أن المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى المؤمنين .. جاء المنافقون، فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.