للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وثلب المؤمنين، بعد أن يبلغ إليك ذلك، ويطلعك الله عليه {لَيَقُولُنَّ} معتذرين عما قالوا {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين؛ أي: إنما كنا نخوض ونتحدث بالحديث الباطل الذي لا معنى له، نقطع به عنا الطريق كحديث الركب المسافرين في الطريق لتقصر عليه المسافة، {وَنَلْعَبُ}؛ أي: نضحك بما نقول، ولا نقصد معناه.

أي: إنك إن سألتهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها، بأنهم لم يكونوا جادين ولا منكرين، بل هازلين لاعبين للتسلي والتلهي، وكانوا يظنون أن هذا عذر مقبول، لجهلهم أن اتخاذ الدين هزوًا ولعبًا كفرٌ محضٌ، كما قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢)} وقال: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)}.

ويدخل في عموم الآية المبتدعون في الدين، والذين يخوضون في الداعين، إلى الكتاب والسنة، ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما.

أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوته إلى تبوك، إذ نظر إلى أناس بين يديه يقولون: أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات .. فاطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فقال: "احبسوا على هؤلاء الركب"، فأتاهم، فقال: "قلتم كذا، وقلتم كذا"، قالوا: يا نبيَّ الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون.

ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يجيب عنهم، فقال: {قُلِ} لهم يا محمد {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} والاستفهام للتقريع والتوبيخ حقه الدخول على كان، وأثبت وقوع ذلك منهم، ولم يعبأ بإنكارهم؛ لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار، بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم، حيث جعل المستهزأ به واليًا لحرف الاستفهام؛ أي: أكنتم تستهزئون، وتسخرون بالله؛ أي: بفرائض الله وحدوده وأحكامه وبآياته؛ أي: وبكتابه وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.

والمعنى: كيف تقدمون على الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، ولا يستقيم ذلك